موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

يا شيخ عثمان حفظك الرحمن لا نعرف واجباً إلا ما أمر الله به ورسوله أسألك بالله العظيم: أعد النظر في كلامك!

24 شعبان 1436 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلقد كتبت مقالاً نبهت فيه على خطأ ظاهر وقع فيه أخي الكريم فضيلة الشيخ الدكتور عثمان بن محمد الخميس حفظه الله تعالى، وكنت أرجو أن يتنبه له ويعدل من عبارته التي أطلقها، فتفاجأت أنه أصر على خطئه، وقال أنه لم يخطئ أصلاً، وأنه مازال يقول بقوله!!

قال الشيخ عثمان في تعقيبه على مقالي: «هذا كلام قديم، قبل ثلاث سنوات تقريباً، لما قلت إنه يجب على كل صاحب مبدأ أن يظهر مبدأه ولا يخفيه، وهذا مازلت أقول به - يعني -، هذا حق، أن كل إنسان يرى نفسه على حق يجب عليه أن يبين للناس هذا الحق الذي هو عليه» انتهى كلامه.

أقول: كون الكلام قبل ثلاث سنوات، فهذا ليس قديماً، وكلامك لم ينتشر إلا الآن، أو ما بلغني إلا الآن، فما المشكلة إذا نبهتك على خطأ قديم صدر منك؟ فقد تكون مستمراً أو مصراً عليه، وقد تكرره في مناسبة جديدة طالما لم تنتبه لخطئك، وقد صدق ظني، فأنت تقول: «مازلتُ أقول به»!

ثم وإن كان الكلام قديماً، فإنه لا يسقط بالتقادم، قال تعالى: ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: ٣]، إلا إذا تاب المذنب توبة نصوحاً، فالتوبة تهدم ما قبلها.

ثانياً: لا نعرف واجباً في الشرع إلا ما أمر الله به ورسوله أمراً لازماً يثاب فاعله إمتثالاً ويستحق العقوبة تاركه، فإذا قلت: «يجب»، يعني هذا مما أمر الله به ورسوله، ومن امتثله يرجى له الثواب، ومن تركه استحق العقاب، فإن كنت تعرف معنى للواجب غير هذا المعنى فبينه وجزاك الله خيراً.

أما إذا كان ليس للواجب في الشرع إلا هذا المعنى فلا وجه لقولك أن كل صاحب مبدأ يجب عليه أن ينشر ما يعتقده إذا كان يعتقد أنه حق.

ثالثاً: تمنيت أن تعدل عبارتك بدلاً من الإصرار على الخطأ، فلقد طالبتك أن تذكر منْ سبقك من العلماء بهذا القول الذي قررته، والأمر سهل جداً، كان بإمكانك أن تقول: وهذا ما قاله فلان وفلان، لكنك لم تذكر عالماً واحداً معتبراً ولا غير معتبر سبقك إلى ما قررته، وأظن لو كنت تعرف أحداً سبقك إلى هذا القول لذكرته!!

رابعاً: صاحب الباطل «يحرم» عليه أن يظهر باطله، ولو كان يعتقد أنه حق، والتحريم حكم مناقض للوجوب، فالواجب علينا أن ننهى كل صاحب باطل عن نشر باطله، لا أن نقول له «يجب» عليك أن تنشر ما تعتقده.

خامساً: لقد كان سؤال المحاور الأستاذ عبد الله المديفر عن مسألة نشر التشيع في بلاد أهل السنة، وهذا نص سؤاله: «هل يحق للشيعة أنهم يأتون ويحولون التشيع في بلاد السنة، والعكس صحيح؟»

فأجبت حفظك الله يا شيخ عثمان بقولك: «أنا في تصوري أنه يحق، بل يجب على كل صاحب مبدأ أن ينشره، كل إنسان يعتقد بفكرة وإنها حق وجوباً عليه أن ينشرها. أنت تعتقد أن هذا حق - هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -، هذا حق يجب أن ينشره» انتهى كلامك.

أسألك بالله العظيم يا فضيلة الشيخ: أن تعيد النظر بجوابك!

فحضرتك سئلت عن نشر مذهب التشيع في بلاد المسلمين، فقلت: «يجب» عليهم نشره طالما يعتقدون أنهم على الحق!! فمعنى «واجب» يا شيخ يعني أن أمرهم الله به ورسوله، والحق أن الله يأمر بالحق، قال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ ﴾ [الأعراف: ٢٩]، وقال تعالى: ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: ٩٠]، فالله تعالى لا يأمر أهل الباطل أن ينشروا باطلهم، ومازلت أحسن بك الظن، بل وأكاد أجزم بأنك لا تقصد أن الله تعالى أمر أهل الباطل أن يتبعوا الباطل فضلاً أن يأمرهم بنشره، فياليتك تعدل عبارتك، فحسب فتقول للرافضة مثلاً لو كنتم أهل حق لما أخفيتم عقائدكم، لا أن تقول: «يجب على كل صاحب مبدأ أن ينشر مبدأه».

بل يا فضيلة الشيخ لقد زدت الطين بلة فقلت: «هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». والحق يا شيخ أن نشرهم للتشيع في بلاد المسلمين منكر.

ولقد كررت يا شيخ عثمان تقريرك في تعقيبك على مقالي، فقلت بالحرف الواحد: «وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بشرط أنه يعتقد أن هذا حق» انتهى كلامك.

أقول: أين المعروف الذي عند الرافضة الذي يجب عليهم نشره؟

ثم اشتراطك كونهم يعتقدون أنه حق لا يكفي، وقد بينت لك هذا بالأدلة من كتاب الله، وذكرت لك عدة أمثلة فعامة أهل الباطل ﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: ١٠٤]، لأن الشيطان زين لهم باطلهم كما قال تعالى ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: ٢٤]، والواجب علينا أن نحافظ على أهل السنة، ولا نسمح لأهل الباطل أن ينشروا سمومهم بين أبناء المسلمين تحت أي مسمى أو مبدأ، ونحن نعاني اليوم من اختراق الباطل لبيوتنا وإعلامنا ومدارسنا ومساجدنا بل وأسماعنا وقلوبنا، وتأتي يا شيخ عثمان وتقول: «يجب» على الشيعة أن ينشروا ما عندهم من عقائد ومبادئ طالما يعتقدون أنهم على حق!! الله المستعان!

ثم تقول يا شيخ عثمان عبارتين بينهما ما بينهما من الإشكال:

الأولى قلت فيها: «وهذا لا يعني أننا إذا كنا نعتقد أنه باطل لن نسمح له أن ينشر باطله».

وقلت في الثانية: «وليس المقصود أن الإنسان - يعني - يسمح له أن ينشر باطله ونحن نعتقد أنه باطل، بل نمنعه من نشر باطله».

أقول: يا شيخ عثمان - غفر الله لك ولوالديك -، كلامك هذا فيه إشكال كبير، فما الخلاصة؟ هل نسمح له أن ينشر عقيدته لأنه يجب عليه أن يؤدي ما عليه من الواجب فينشر ما يراه حقاً أو لا نسمح له ينشر باطله؟

فكلامك أشبه ما يكون باللغز الكبير الذي يكتب عليه «للأذكياء فقط».

ولا تنس أنك تخاطب عامة الناس، وهم يتفاوتون بالفهم. ثم يا شيخ عثمان ختمت بخاتمة حاولت فيها بيان مقصودك، فقلت: «لكن المقصود من هذا الكلام أن الإنسان لا يخفي عن الناس ما يعتقد أنه حق، ما يعتقد هو أنه حق، انصح الناس به، أنا أعتقد أن الحق هنا، تعال، علمني، انصحني، ما تريد لي الخير؟» انتهى كلامك.

أقول: أولاً: إن صاحب الباطل لن يأتيك، ولن يأت أي طالب علم يظن أنه سيفحمه، بل سيذهب ويؤدي الواجب بنشر عقيدته عند من لا يحسن الرد عليه.

ثانياً: هل هذه العلة كافية لتجعلك تقول: «يجب» عليه نشر ما يعتقده؟

ومن الذي أوجب على صاحب الباطل أن ينشر باطله؟ آلله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؟

ولماذا نسمع لكل صاحب باطل؟ فنحن لسنا بحاجة إلى سماع الباطل، بل الواجب أن نحمي أهل السنة من سماع الباطل.

ثالثاً: هل ترضى يا شيخ عثمان - حفظك الله تعالى - أن تدخل معلمة رافضية إلى طالباتنا وبناتنا في مدرسة من مدارسنا وتقرر عليهن مشروعية نكاح المتعة؟!

أنا أجزم بأنك يا شيخ عثمان لا ترضى ولن ترضى بذلك.

فلو قيل لها: لا نريد أن نسمع منك هذا الباطل، فستقول: هذا من حقي أن أنشره، فأنا أعتقد أن هذا حق، حتى الشيخ السني الدكتور المشهور عثمان الخميس ظهر في إحدى الفضائيات وقال: «يجب» على كل صاحب مبدأ أن ينشره، ويدعو إليه، طالما يعتقد أنه حق ولا ينافق ولا يكذب، وأنا أعتقد بأن هذا حق، يجب أن أنشره، حتى أنه قال أيضاً - أي الشيخ عثمان -: «وهذا هو النصح، النصح، لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على النصح لكل مسلم، وهو أن يبين لهم الحق الذي يراه»!! وهذه نصيحتي لكنّ يا طالباتي العزيزات؟!!!

فكيف سيكون الرد عليها؟

يا شيخ عثمان أسألك بالله العظيم: أن تعيد النظر فيما تقول، وعليك بطريقة السلف، واترك هذه المناظرات، فإن كنت تظن أنها قد نفعت فأيضاً قد أفسدت، وأنت لا تملك إحصائية دقيقة تستطيع من خلالها تحديد المصالح والمفاسد، ادع إلى الحق ولا تبرر لأصحاب الباطل أن ينشروا باطلهم، بحجة إحراجهم أو اظهار عوارهم، ولا تقل لهم يجب عليكم أن تنشروا ما تعتقدونه حقاً، ولا تقل هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!

كلا يا شيخ عثمان غفر لك ولوالديك، راجع العلماء، واعرض عليهم تقريرك، فالنصيحة التي بايع عليها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هي النصيحة بالحق، كما في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: ٣]، وليس النصيحة بالباطل لمجرد اعتقاد أهل الباطل أنهم على حق، فكلهم يظنون أنفسهم على الحق، وقد قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك!!

أسأل الله تعالى أن يهدينا للحق ويرزقنا اتباعه.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات