رسالة لم يحملها البريد إلى أخي الكريم زيد بن راجح المطيري حفظه الله تعالى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد جرت مناقشات بيني وبين بعض الإخوة حول ما ابتدعه بعض الناس مما يسمى بـــ «توحيد الحاكمية» على أنه القسم الرابع من أقسام التوحيد، كما زعموا، ومن أشهر من قال بـــ «توحيد الحاكمية»: سيد قطب، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، والشيخ أبو إسحاق الحويني.
وكان من جملة المناقشين أحد الإخوة الكرام وهو زيد بن راجح المطيري، لمست منه الطيبة وحب الخير - أحسبه والله حسيبه -، ولقد ظن الأخ زيد أن الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق قد تراجع عن القول بالقسم الرابع للتوحيد، فأخبرته بأنه لم يتراجع ولن يتراجع إلا أن يشاء الله تعالى، بل هو - كما أخبر عن نفسه - لا يذكر أنه تراجع في حياته عن مسألة علمية قط!!، كما صرح في ذلك فقال بالحرف الواحد: «أنا بحمد الله على الدين والمنهج والدعوة الذي كنت عليها منذ عرفت الدين، وأعوذ بالله أن أرجع القهقرى عن حق هداني الله إليه، ثم إني لا أذكر لي قولاً قلته ثم تراجعت عنه في كل حياتي العلمية» انتهى كلامه، [جريدة الوطن الكويتية تاريخ ٢٠١١/٥/٣٠ م].
ولذلك تبين للأخ زيد بن راجح حقيقة الأمر، وهو أن الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق لم يتراجع عن القول بالقسم الرابع المحدث: «الحاكمية»، لكن برر الأخ زيد للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق فكتبت له الرسالة التالية:
من سالم بن سعد الطويل
إلى أخي الكريم زيد بن راجح المطيري حفظك الله تعالى
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
بلغتني رسالتك - وفقك الله لكل خير - والتي تضمنت التبرير للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق لإحداث نوع رابع للتوحيد تابعاً بذلك لسيد قطب، وقولك بأن الشيخ قال به لما ترك الحكام الحكم بما أنزل الله وذهبوا إلى الديمقراطيات وغيرها.
فأقول وبالله أستعين:
بالنسبة للحكم بما أنزل الله فَقَد فُقِد من أكثر بلاد المسلمين منذ قرون، وليس في زمن سيد قطب والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حتى تقول: لما رأى الحكام تركوا الحكم قالا بـــ «توحيد الحاكمية»، بل حتى الدولة العثمانية - التي خرجت دعوة الإخوان المسلمين بعد سقوطها - ما كانت تحكم بالشريعة الإسلامية، وهذا ما يجهله كثير من المسلمين، لا سيما إذا سمعوا من يسميها بـــ «الخلافة» العثمانية، فالعامة بسبب كلمة «الخلافة» يحسبون أنها تحكم بالشريعة.
فابتداع قسم «توحيد الحاكمية» ليس له مبرر صحيح، والعلماء المعاصرون رأوا ما رآه سيد قطب والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق من ترك الحكام للحكم بما أنزل الله، ومع ذلك ما قالوا بـــ «توحيد الحاكمية»، ولا وافقوا الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق عليه، بل أنكروا عليه إنكاراً شديد اللهجة، وناصحوه بالتراجع لكن للأسف لم يرجع.
أخي الكريم، بالنسبة للحكم بما أنزل الله، أفيدك علماً بأن الإخوان المسلمين والشيخ عبد الرحمن لا يريدون الحكم به، ولا يسعون إلى ذلك، لذا هم أنفسهم يدعون إلى الديمقراطية والحرية، وإلى المظاهرات والثورات، وإلى التصويت على الدستور، وكل هذه المسائل هي ليست من الشريعة الإسلامية، بل هي من مسائل الجاهلية ومن مسائل الكفار.
والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق دعا صراحة للتصويت على دستور مصر الجديد، والدستور غير الشريعة قطعاً، ولو كان - جدلاً - دستور مصر شرعياً ١٠٠% فلا يجوز التصويت عليه بنعم أو لا - كما لا يخفى عليك إن شاء الله تعالى - لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ ﴾ [الرعد: ٤١].
والذي يؤكد كلامي أن الرئيس السابق لمصر محمد مرسي قال: لا نريد دولة دينية - أي شرعية - نريد دولة مدنية!! انتهى كلامه.
فأين موقع «توحيد الحاكمية»؟!
والدليل الثاني: أن الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق دعا إلى إقامة دولة كدولة تركيا، وتركيا حكمها علماني وليس شرعياً، فأين «توحيد الحاكمية»؟!
ولما زار أردوغان مصر في بداية حكم الإخوان نصحهم بالعلمانية، فأين «توحيد الحاكمية»؟!
ولعلك سمعت ما قرره الدكتور يوسف القرضاوي لما قال: «أنا عندي الحرية أهم من تطبيق الشريعة»، وكذلك قال الدكتور طارق السويدان مثل قوله، ﴿ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ ﴾ [البقرة: ١١٨]، فأين «توحيد الحاكمية» الذي نادوا به منذ عشرات السنين؟!
إن أعظم ما في الإسلام أركانه الخمسة، وأعظم أركانه الخمسة «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله»، فانظر ما مدى عناية الإخوان بالتوحيد والسنة! تجد أن عناية دعوتهم بالتوحيد والسنة ضعيفة جداً! بل تكاد تكون معدومة!
وخلاصة دعوة الإخوان أنهم حزب كسائر الأحزاب رفعوا شعار الإسلام ليكسبوا جمهور المسلمين بعاطفة الإسلام وعاطفة التدين، ولا يخفى على أي متابع علاقتهم بالرافضة والصوفية واليهود والنصارى والليبرالية والعلمانية عملاً بقاعدة «اللي تكسب به ألعب به»، وتجد دائماً المستفيد منهم القادة وحاشيتهم، وأما باقي أتباعهم فهم جمهور مشجعون على المدرجات يستعملونهم للمسيرات والمظاهرات وللتصويت للانتخابات.
ولا غرابة أن كثيراً من المؤيدين يشجعون الحزب الذي يتمنون فوزه ووصوله ولو لم يستفيدوا شيئاً، فهكذا حال سائر المشجعين، لكن المحظور كونهم يجعلون ما هم عليه هو دين الله الإسلام، والحقيقة أنهم بعيدون عن الإسلام.
أسأل الله تعالى أن ينفعك بهذه النصيحة، وأن ينبهك الله تعالى مما يكاد بك وبغيرك من هذه الأحزاب التي يهمها أمر الدنيا أكثر بكثير من أمر الدين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.