رسالة لم يحملها البريد إلى أخي الكريم أحمد بن ضيف الله الدوسري (حبُّك لشيخك لا يمنعك من الإنكار عليه)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» [رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم]، وعلى الرغم من حب النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لم يمنعه ذلك من الإنكار عليه إنكاراً شديداً لما أطال في الصلاة، كما أخرج ذلك الشيخان في صحيحيهما، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ - أَوِ النِّسَاءِ - فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟» - أَوْ «أَفَاتِنٌ؟» - ثَلاَثَ مِرَارٍ: «فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ» [واللفظ للبخاري].
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أسامة بن زيد رضي الله عنهما، حتى كان يلقب بحِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لما جاء ليشفع في حد من حدود الله تعالى أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه إنكاراً شديداً، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!» ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
لقد كثر السؤال عن الأخ أحمد ضيف الله الدوسري وفقه الله تعالى من حيث العقيدة والمنهج، ولا شك أن الحاجة تدعو إلى معرفة حاله لأن له نشاطاً شبابياً، فهو يجمع الشباب حوله، ويقيم لهم مخيماً سنوياً، ويرتب لهم بعض الرحلات والمحاضرات، فالناس يريدون معرفة عقيدته ومنهجه، وذلك للاطمئنان على أبنائهم وإخوانهم، لا سيما ونحن في زمن كثرت فيه الفتن.
وبما أن معرفتي بالأخ أحمد بن ضيف الله قديمة - قد قاربت الثلاثين سنة -، راسلته وسألته عن رأيه ببعض المسائل التي يتبناها بعض الناس بصفة عامة، ويقول بها شيخه عبد الرحمن عبد الخالق أو بعض طلابه بصفة خاصة، وكانت مراسلتي له من باب التثبت، وحتى لا أصيبه بجهالة فأصبح من النادمين، والأهم من ذلك حتى لا أظلمه، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
ولما اشتهر التصاق الأخ أحمد بن ضيف الله بشيخه عبد الرحمن عبد الخالق راسلته، وسألته عن بعض الأمور، فأخبرني بأنه لا يوافق الشيخ عبد الرحمن وطلابه في مسائل كثيرة وكبيرة!! وسرني ذلك، لكن للتحقيق والتدقيق أرسلت إليه هذه الرسالة وأنتظر جوابه عليها، لعل الله يوفقه لما فيه الخير والتوفيق والسداد.
أخي الكريم أرسلت إليك هذه الرسالة لأتبين منك - من غير وساطة - عن رأيك في الأمور التالية:
١/ الثورات العربية المحدثة التي حرقت بلاد المسلمين، وتسببت بسفك دماء مئات الآلاف وتشريد الملايين، أما الشيخ عبد الخالق فقد أيد ثورة مصر تأييداً كاملاً صريحاً، حتى قال بجواز الاحتفال بثورة ٢٥ يناير، وطلابه أيدوا ثورة تونس وليبيا وسوريا واليمن.
٢/ الدعوة إلى ربيع خليجي على غرار ما يسمى بالربيع العربي، فقد دعا بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن إلى ذلك صراحة، ونشر ذلك في وسائل الإعلام، والحمد لله الذي لطف بأهل الخليج، فلم تتم ثورتهم كما خططوا لها ودعوا إليها، ولا أعلم إن كان الشيخ عبد الرحمن أيدهم أو أنكر عليهم.
٣/ قيام بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن بجمع التبرعات من غير ترخيص، والصرف منها على شراء السلاح ودفعه للسوريين ليقاتل فيها بعضهم بعضاً، ولا أعلم عن الشيخ إنكاراً ولا تأييداً.
٤/ دفاع الشيخ عبد الرحمن عما سماها «بالحركات الجهادية»، وإنكاره على داعش محاربتهم إياهم، على الرغم من أن الخلاف بين داعش وغيرها من الحركات خلافٌ إداريٌ ليس عقدياً ولا منهجياً إلا في جوانب قليلة، ويا ليت شعري ما الفرق بين داعش وجبهة النصرة وغيرها؟!
ولقد طالبتهم بأن يحددوا أسماء حركات جهادية تخالف داعش، لكن - للأسف - لم يصلني الجواب بعدُ، والله أعلم لن يصل.
٥/ تأييد الاعتصام في «رابعة والنهضة» في مصر، والدعوة إلى ذلك صراحة وبقوة حتى لو كلف الأمر أن يقتل ألف ألف قتيلاً - أي مليون -، وذلك من أجل شرعية أفرزتها الصناديق، وليست شرعية مستمدة من شريعة الله عز وجل.
٦/ قول الشيخ عبد الرحمن بالتحاكم إلى صناديق الانتخابات، والرضا بما تفرزه، ولو أفرزت العلمانيين أو الليبراليين أو غيرهم.
٧/ قيام بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن بفتح مصنع للأسلحة في سوريا وتسليمه لجهات وحركات، من غير تصريح بأسماء تلك الحركات، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
٨/ إنكار الولايات الإقليمية المتعددة، وقصر البعية الشرعية للإمام العام، وهذا ما اختاره الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق كما صرّح بذلك بالحرف الواحد فقال: «وهناك اتفاق على أن ولاية أمور المسلمين يجب أن تكون بيد واحدة هي الخلافة أو الإمامة الكبرى، ولكن بعض المقررين للأمور الواقعة في عصور خلت من تاريخ الإسلام قالوا بجواز تعدد الإمامات العامة. ولا يخفى ما في قولهم من البعد والشطط» انتهى، [من رسالة «الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي» - سلسلة كتب ورسائل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (٣٦٦/٥)].
وبهذا المفهوم صرح أحد طلابه في مقابلة متلفزة مشهورة في إحدى القنوات فقال: «ليس لي بيعة لأحد ولا حتى أمير البلاد، وإنما البيعة للإمام العام للأمة»!!
٩/ استثناء الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق للرئيس المصري السابق محمد مرسي، فقد أوجب على المصريين بيعته مع أنه ليس له ولاية كبرى على كل بلاد المسلمين!!
١٠/ القول بأن الشورى ملزمة للحاكم، ولا يحق له الحكم الفردي.
١١/ مشروعية البيعة الدعوية السرية من غير إذن الحاكم، ووجوب السمع والطاعة لأمير الجماعة.
١٢/ قول بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن بجواز «العمليات الانتحارية»، التي يدعونها زوراً «عمليات استشهادية»، ويستدلون بفتوى الدكتور القرضاوي، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
١٣/ القول بجواز المظاهرات والاعتصامات، ولبعض طلاب الشيخ عبد الرحمن مشاركات فعلية مشهورة، حتى إن بعضهم شارك في اقتحام مجلس الأمة، ولا أعلم للشيخ إنكاراً لفعلهم.
١٤/ بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن زعموا بأنه لا يشترط إذن الحاكم في جمع التبرعات للمشاركة في القتال، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا انكاراً.
١٥/ بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن يقومون بالاعتصامات أمام السفارات، ويلقون بعض الكلمات التهييجية، ولهم مشاركات فعلية متكررة، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
١٦/ بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن يقولون بجواز الجهاد بغير إذن الحاكم، ومنهم من لا يعترف بالحاكم أنه شرعي، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
١٧/ بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن يقولون بجواز الجهاد بغير إذن الوالدين، فإذن الوالدين عندهم ولو قيل بوجوبه لكن ليس شرطاً، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
١٨/ ذهب الشيخ عبد الرحمن إلى القول بجواز إقامة الحدود من آحاد الناس إذا غاب الإمام، أو تقاعس عن إقامتها.
١٩/ قول الشيخ عبد الرحمن بجواز تعدد الجماعات مع اختلاف مناهجها وعقائدها ومصادر تلقيها، وللشيخ ربيع المدخلي كتاب بعنوان «جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات» في الرد على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وقد قدم للكتاب الشيخ صالح الفوزان.
٢٠/ قول الشيخ عبد الرحمن بجواز إعلان النفير للجهاد من غير الإمام، وللشيخ الألباني رد مفصل مسجل بصوته في مناقشته في هذه المسألة بعينها.
٢١/ تأييد إقامة دولة مدنية لا دينية - كالتي دعا إليها محمد مرسي، أو علمانية كالتي أقامها أوردغان - إذا كان الذي يسعها عليها وإليها الإخوان المسلمون، وقد ذهب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق إلى الرئيس المصري السابق د.محمد مرسي وأيده، ودعا المصريين إلى التصويت على الدستور الوضعي.
٢٢/ بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن يلقبون من لا يكفر الحاكم المسلم ومن يقول بوجوب السمع والطاعة له بالمعروف بــــ «المرجئة»، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
٢٣/ ثناء بعض طلاب الشيخ عبد الرحمن على زعماء القاعدة: أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ولا أعلم للشيخ عبد الرحمن تأييداً ولا إنكاراً.
٢٤/ ثناء الشيخ عبد الرحمن وبعض طلابه على زعماء الإخوان المسلمين كالقرضاوي وغيره.
أخي الكريم أحمد بن ضيف الله، أرجو بيان موقفك بوضوح من هذه المسائل التي يقول بها شيخك عبد الرحمن عبد الخالق أو بعض طلابه، وهم أقرانك وتعرفهم جيداً، وذلك حتى لا أصيبك بجهالة، ولا أظلمك، وجزاك الله خيراً إن حميتني من الجهل والظلم والإثم.
أخي الكريم أحمد بن ضيف الله، لا تنتصر لشيخك بالباطل، فهذا لا يجوز، قال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح!، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير» انتهى كلامه من كتاب العلم صـ [٦١].
سؤال مهم: أخي أحمد بن ضيف الله، لقد أرسلت لي رسالة، وفهمت منها بأنك تعتقد صحة بيعة آل الصباح في الكويت، بل وأن في عنقك بيعة لحاكم الكويت، وليس لك بيعة لأحد سواه، وهذا جيد.
والسؤال: منذ ثلاثين سنة وأنت تعرف الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وتلازمه، فأخبرني كم مرة سمعته يقرر مشروعية البيعة لحاكم من حكام الكويت؟!
وإن كنت تعلم عنه أنه يقول بمشروعية البيعة فأين ذكر ذلك في كتبه المطبوعة أو أشرطته المسجلة المسموعة؟
أرجو الإفادة.
وجزاك الله خيراً.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.