رسالة لم يحملها البريد إلى الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ختم الله له بالباقيات الصالحات: هل هذه توبة قبل الممات، أو مراوغة جديدة كالسابقات؟!
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد نشر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق مقالاً بتاريخ ١٠ جمادى الآخرة ١٤٣٧، الموافق ٢٠١٦/٣/٢٠ ، بعنوان: «أيها المسلمون هبوا في نصرة الحرمين فإنهما في خطر»، وذكر في مقاله أموراً عجيبة غريبة، وسأشير إلى بعضها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي حمل الشيخ على هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات؟!!
والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه أحد رجلين: إما تائب مما كان عليه لكنه أخطأ بطريقة توبته، وإما مجرد مراوغة جديدة كالمراوغات السياسية السابقة، وما أكثرها.
فأقول وبالله أستعين:
أولاً: بصفتك ماذا أيها الشيخ حتى تخاطب المسلمين بهذا الأسلوب الذي هو أشبه ما يكون بإعلان النفير العام؟
ولماذا أيها الشيخ تعطي نفسك أكبر من حجمك؟
أليس في كلامك هذا افتئات على ولي الأمر؟
ثانياً: هل تظن أنك محنكٌ في السياسة فتدرك من خلال قراءتك ما لم يدركه خادم الحرمين الملك سلمان - أيده الله - وحكومته ومستشاروه؟
إن بلاد الحرمين لها قيادة وجيش وسياسة، وهي قائمة بمهمة الدفاع عن الحرمين، وليست بحاجة إلى إعلانك أيها الشيخ، أليس كذلك؟
ثالثاً: ما نوع النصرة التي تدعو المسلمين أن يهبوا بها للدفاع عن بلاد الحرمين؟
ومن المسلمون الذين وجهت لهم خطابك؟
وهل تريد من الشباب حمل السلاح؟
فحمل السلاح لا يقرره إلا ولي الأمر، فهو الذي يعرف متى وكيف وأين .
أم تريد أيها الشيخ مطاردة المصالح الأجنبية، أو مقاطعة منتجاتها؟
وهذا ليس عنك ببعيد، فقد جرت عادة كثيرٍ ممن على منهجك من دعا لمثل هذه الدعوة وفيها افتئات ظاهر على ولي الأمر.
رابعاً: الآن أيها الشيخ جئت تدعو إلى نصرة بلاد الحرمين بعدما أيدتَ الثورات التي أفسدت الدين والدنيا؟!
ولقد كان بعض طلابك يدعو بكل صراحة ووقاحة إلى «ربيع خليجي»، ومنهم من دعا إلى المظاهرات في المملكة العربية السعودية بالتحديد، ولقد كتبت لك بذلك، وطالبتك بأن تنكر عليه أو تتبرأ من دعوته، ولكن للأسف فما فعلت ولا حركت ساكناً، وما سمعنا منك كلمة واحدة تنهى طلابك عن التحريض على بلاد الحرمين، والآن جئت تقول هبوا للدفاع عن بلاد الحرمين!!
والله المستعان.
وللتذكير أرجو مراجعة رسالتي لك أيها الشيخ المنشورة في جريدة الوطن بتاريخ (٢٥ رمضان ١٤٣٤ ).
وقلت لك بالحرف الواحد - في رسالة كتبتها لك - وهذا نص الرسالة -: أفيدك علماً بأن تلميذك وأخاك الأصغر/ حامد بن عبد الله العلي كتب مقالاً قبل أيام بتاريخ ٢٠١٢/٣/١١ نشره في موقعه الرسمي الإلكتروني بعنوان «العيون ترمق الإمارات والآذان تسمع أنيناً في السعودية»، دعا في مقاله شباب السعودية «صراحة» إلى القيام بمظاهرات عامة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية ضد حكومتهم! ومما قاله:
«أما مستجدات الأخبار بالسعودية فقد ضج فضاء التغريد التويتري بخبر (بو عزيزي) السعودية! ذلك الشاب الذي أقدم على حرق نفسه، تحت ضغوط الظلم الاجتماعي الآخذ بالتصاعد...»!
إلى أن قال:
«لتجتمع شواهين جبال تهامة، وأسود الحجاز، ونمور الشمال، وعرانين نجد، وأبطال الصحراء وأمجاد الشرق، والغرب والجنوب في نشيد نهضوي واحد، هناك حول الحرمين، تحضنه تلك القبة المقدسة، قبة حضارتنا العظمى، قبة العالم...»، إلى آخر ما قاله من تهديدات لحكومات الخليج، وتهييج أبناء الخليج للقيام بمظاهرات عامة طلبا - كما زعم - للكرامة والحرية الكاملة من إبداء الرأي ونقد السلطة والمشاركة فيها....».
خامساً: أيها الشيخ ذكرت في مقالك براءة ابن لادن من أحداث سبتمبر، فقلت بالحرف الواحد: «وأعتقد أن ابن لادن الذي أصابه الخبال في آخر عمره، فاعترف عندما اتهم بأحداث سبتمبر، [مع أن هذا] لم يكن من صنيعه ولا من قدرته ذلك، وأنه مبايع للملا عمر، ولا يعمل عملاً إلا بإذنه، وقال الملا عمر نفسه إن أسامة قد بايعني، ولا يمكن أن يعمل عملاً إلا بمشورتي، وهذا العمل ليس من قدرة ابن لادن، وأنا مستعد لتقديمه ليحاكم في أي بلد إسلامي، وإن كان ابن لادن بعد ذلك قد بلع الطعم الإيراني، وتبنى أحداث سبتمبر».
فأقول: هب أنك أصبت بتبرئتك لابن لادن وقاعدته، وأنه حسب قولك ادعى كذباً وزوراً بأنه وراء أحداث سبتمبر، وبسبب الخبال الذي أصابه، وأن ملا عمر صادق بما يقول، فماذا تقول عن باقي جرائمه لا سيما التي ارتكبها أتباعه في السعودية خلال عشر سنوات مضت؟!
وكيف وصلك كلام ملا عمر؟
وهل ملا عمر شخصية حقيقية أو وهمية؟
وهل ملا عمر ثقة عندك؟
وإذا كان ثقة عندك فمن أين عرفت ثقته؟
ومن وثقه؟
وأين البلاد الإسلامية التي يعترف ملا عمر بإسلامها لكي يسلم ابن لادن لها ليحاكم فيها؟
وهل ملا عمر وابن لادن والظواهري يعتقدون بإسلام حكام السعودية ويعترفون بقضائها؟
أيها الشيخ لم نسمع لك كلمة قط - بل ولا شطر كلمة - تكلمت فيها عن القاعدة، أو عن جبهة النصرة، أو عن أيمن الظواهري، ولا غيرهم ممن جعلوا المملكة العربية السعودية أكبر أهدافهم للتخريب والتفجير!!! إلا كلامك على داعش، وربما لأنهم كفروا محمد مرسي!!!
فإن كان كلامي ليس صحيحاً فها نحن فيها، أثبت لي ولغيري أنك تكلمت على القاعدة في حياتك قط.
بل إن أخص طلابك إلى هذه الساعة يؤيدون ابن لادن وجبهة النصرة وغيرهم، وطلابك إلى هذه الساعة ينكرون أن تكون لأحد في هذا الزمان بيعة شرعية، إلا أن يكون حاكماً منتخباً مثل محمد مرسي، الذي زرته أيها الشيخ وبرفقة الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور خالد المذكور، كما أخبرني بذلك تلميذك الخاص وذراعك الأيمن «ناصر شمس الدين»، والعهدة على الراوي.
سادساً: لا غرابة أن يصرح بعض طلابك بأن لا بيعة لأحد اليوم، فأنت أيها الشيخ الذي تقرر لهم ذلك، فهل نسيت قولك بالحرف الواحد: «وهناك اتفاق أن ولاية أمور المسلمين يجب أن تكون بيد واحدة هي الخلافة أو الإمامة الكبرى، ولكن بعض المقررين للأمور الواقعة في عصور خلت من تاريخ الإسلام قالوا بجواز تعدد الإمامات العامة. ولا يخفى ما في هذا القول من البعد والشطط» انتهى [من رسالة "الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي" - سلسلة كتب ورسائل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (٣٦٦/٥)]؟!!
وكلامك هذا وكلام بعض طلابك ينافي تماماً دعوتك لنصرة بلاد الحرمين، فالجهاد إنما يكون مع ولي الأمر، وليس ثم ولي أمر عندك له بيعة إلا الإمام العام.
سابعاً: خطابك فيه دعوة صريحة لإثارة الفتنة بين شباب المسلمين، وحسبك ما أثرته أيام ثورة مصر لما قلت: «شباب مصر قاموا بأنظف وأفضل ثورة وجدت في التاريخ، فلا توجد ثورة في التاريخ القديم ولا المعاصر في النظام والأخلاق والأدبيات والأهداف التي قامت من أجلها وفي الأسلوب الذي اتبعته، الناس لم تر طول تاريخها صورة لا يقوم فيها الثوار بالإعتداء على الناس وسفك دمائهم وتخريب ممتلكاتهم بالعبث وغيره، ثم يجتمع فيها أطياف المجتمع في تناسق وتنسيق وأدب وخلق على هذا النحو، هذا أمر غير مسبوق، لكن الثورة المصرية خرجت لتزيح الحاكم وتنادي بنظام ديمقراطي» انتهى بحروفه. وهذه مغالطة صريحة للواقع. والله المستعان على ما تصف وتقول. وحسبك أيها الشيخ ما غررت به معتصمي رابعة لما قلت لهم: «أيها الشعب المصري العظيم لو قدمت اليوم ألف ألف شهيد لتسترد إرادتك، وتقيم العدل في أمتك، فلن يكون كثيرا». الله اكبر ألف ألف ليس كثيراً ؟!!!
اتق الله ولا تكرر مثل هذه الدعوات التي أصلاً ليست من حقك، فأنت لا تحمل أي صفة تخولك لتدعو بمثل هذه الدعوة.
أسأل الله تعالى أن ينير بصيرتك، ويرزقك التوبة والثبات قبل الممات.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.