رسالة لم يحملها البريد إلى أخي الكريم أبي أحمد حفظك الله تعالى: لماذا نتباغض ونتدابر بسبب الشيخ عبد الرحمن عبدالخالق؟!
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن أهل الكويت أسرة واحدة، يسودها الحب والاحترام والمصاهرات والجوار، ومما ساعد في ذلك صغر حجمها وقلة شعبها، وما زالوا كذلك حتى وفد إليها من خارجها من وفد، ففرقوا أهلها، وتباغض شبابها، وأدخلوا علينا ما أدخلوه من الأفكار والمناهج والتحزبات والبيعات السرية الدعوية - زعموا - التي لم يكن يعرفها آباؤنا الأولون.
وكل من تأمل - ولو قليلاً - ظهرت له هذه الحقيقة واضحة جلية، فلم يعرف أهل الكويت التكفير، ومصطلح الطاغوت والطواغيت وتلقيب الحكام بذلك، والبيعات السرية الدعوية، إلا بعد ما وفد إليهم أمثال الشيخ حسن أيوب (مصري)، والشيخ طايس الجميلي (عراقي)، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (مصري)، والشيخ محمد سرور زين العابدين (سوري)، وغيرهم ممن كان مضطهداً في بلده، أو كان مسجوناً، أو ممنوعاً من دخول بلده، والكويت كما هو معلوم ومشهور بلد مضياف يأوي إليه كثيرٌ من الناس، والكويتيون يرحبون بجميع المحتاجين، وليس لنا في ذلك منة على أحد، فكل من كتب الله له فيها رزقاً فسيأخذ رزقه، وكثير من الوافدين فاد واستفاد، ومنهم من نفع الله به البلاد والعباد، لكن الأمر المستنكر أن يفد الوافد إلى بلدنا فيفرق أبناءها وبناتها، ويحزبهم حوله، ويدعوهم إلى الانقياد لقوله، ثم يعقد الولاء والبراء على شخصه وآرائه، ونتقاطع ونتدابر ونتباغض من أجله، فهذا الأمر مرفوض والذي يجب علينا أن ننتبه له.
أخي العزيز أبا أحمد - حفظك الله تعالى - سأذكر لك ولغيرك موقفاً لا أظن أنني أنساه ما حييت إلا أن يشاء الله تعالى:
في عام ١٩٨٨ كتب الشيخ عبد الرحمن عبدالخالق بياناً باسم جمعية إحياء التراث الإسلامي يمدح فيه صدام حسين، ويصفه بالبطل الصنديد، وحامي البوابة الشرقية، وأن على الأمة ديناً في أعناقها للعراق ووووإلخ، وكان الشيخ عبد الرحمن يتفرس في صدام بأنه المنقذ للأمة، وأنه سيعيد للأمة مجدها وكرامتها، كما يتفرس بعض الناس هذه الأيام بالزعيم التركي طيب رجب أوردغان!!!
وكان الشيخ عبد الرحمن يقنع أتباعه بأن له من المعرفة والقراءات والفراسة ما لا يدركه ولا يدركونه، ويقول اصبروا وستذكرون ما أقول لكم، وأنها ستظهر لكم حقائق في المستقبل مصداقاً لكلامي، والغريب العجيب أن بعض الناس كانوا يصدقونه في ذلك!!
سبحان الله العظيم، في عام ١٩٧٨ تقريباً قرأت رسالة صغيرة بعنوان «الأصول العلمية للدعوة السلفية» للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وذكر فيها أن التوحيد ينقسم إلى أقسام، ومنه توحيد «الحاكمية»، وتكلم بكلام شديد على الحكام وسلاطين الأرض وملوكها ورؤسائها، فقال بالحرف الواحد: «ثالثاً: الإيمان بأن لله وحده سبحانه وتعالى وليس لأحد سواه حق التشريع للبشر في شئون دنياهم، كما قال جل وعلا: ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ ﴾ [الرعد: ٤١]، وكما قال سبحانه: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ ﴾ [يوسف: ٤٠]، فالتشريع حق للرب جل وعلا، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين والمنهج والطريق والصبغة هو ما شرعه الرب جل وعلا. واعتداء سلاطين الأرض، وملوكها ورؤساؤها على شرعة الرب بتحليل ما حرم، وتحريم ما أحل، عدوان على التوحيد، وشرك بالله، ومنازعة له في حقه وسلطانه جل وعلا، وأكثر سلاطين الأرض اليوم وزعماؤها قد تجرؤوا على هذا الحق، وحرموا ما أحل الله، وشرعوا للناس بغير شرعه زاعمين تارة أن تشريعه لا يوافق العصر والزمن، وتارة أنه لا يحقق العدل والمساواة والحرية، وأخرى بأنه لا يحقق العزة والسيادة، والشهادة لهؤلاء الظالمين بالإيمان عدوان على الإيمان وكفر بالله سبحانه وتعالى، وكثير من هذا السواد يصلي ويصوم - مع ذلك - ويزعم أنه من المسلمين».
ثم جدد هذا الكلام بحروفه كما في رسالته التي سماها «نقض الفرية الرد على ما ادعاه الشيخ عبد الله بن خلف السبت»، ثم جدد طباعة الكتاب ضمن مجموع مؤلفاته في قسم الردود العلمية صفحة (٢٠٢). وتأمل أخي الكريم قوله (والشهادة لهؤلاء الظالمين بالإيمان عدوان على الإيمان وكفر بالله سبحانه تعالى وكثير من هذا السواد يصلي ويصوم - ومع ذلك- ويزعم أنه من المسلمين)
والسؤال: كلام الشيخ عبد الرحمن إذا كان لا ينطبق على صدام حسين فعلى من ينطبق؟ كيف يقرر هذا في السبعينات ثم عام ١٩٨٨ يصدر بيانه في مدح وتعظيم صدام حسين؟!!!
لذا ذهب بعض الإخوة لمقابلته ومناقشته بل والإنكار عليه، وكنت ممن حضر ذلك اللقاء المعلن والذي شهده عشرات من الشباب.
فقلنا له: صدام حسين بعثي وحزب البعث حزب إلحادي كيف تمدحه؟
فقال: أنا أعرف ذلك وقرأت كل كتبه وهي عندي لكن أسأل الله له الهداية ووالله لو كانت لي دعوة صالحة لصرفتها لصدام.
فقلت له: صدام قتل الأبرياء من النساء والأطفال من الأكراد، وأشير إلى جريمته الكبرى في «حلبچة» لما أباد الآلاف بالكيماوي.
فقال: مش مشكلة قتل الناس، يعني القتل مشكلة؟! الملك عبد العزيز الله يرحمه قتل أكثر منه، الملك عبد العزيز لولا الله ثم هو ما وصلنا التوحيد وقتل أكثر من صدام.
فقيل له: لماذا تحاربون حافظ الأسد وتمدحون صدام حسين وكلاهما بعثي؟
فقال: بينهما فرق حافظ الأسد بعثي شيعي وصدام حسين بعثي سني!!!
أقول: سبحان الله بعثي سني؟!!
كيف يكون البعثي الملحد سنياً؟!
الذي يقول:
رضيت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً ما له من ثاني
كيف يقال عنه «سني»؟!!
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم: ٣٦]؟
والله الذي لا إله إلا هو من يومها شعرت بأن هذا الشيخ يستخف بعقول من حوله، وللأسف يطيعونه ويدافعون عنه، ويعادون ويوالون فيه، ويبغضون ويكرهون كل من يرد عليه أو يخطئه بكلمة واحدة، ويقدمون قوله على قول أكبر العلماء، ويتعصبون لقوله ويتحزبون حوله، ويهاجمون كل من لا يوافقه حتى على مدحه لصدام حسين!!
سبحان الله العظيم! منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا أتساءل في نفسي لماذا نتباغض ونتدابر من أجل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق؟!
آراؤه ومنهجه وعقيدته لنفسه يمكن أن يوافق عليها، ويمكن أن يخالف، لا داعي - بل ولا يجوز - أن يحدث بيننا شيء من هذه العداوات والمقاطعات لأجل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ولا غيره، ولنعلم بأن الله تعالى سيحاسبنا جميعاً على كل صغيرة وكبيرة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: ٥١]، ولا أعني بكلامي هذا أني تفطنت له دون غيري، بل ابتعد عنه كثير ممن كان معه، وممن كان مخدوعاً به، وقد اختلف معه كثير من المقربين منه.
وسأبين ذلك في المقال القادم إن شاء الله تعالى وهو بعنوان «هل الشيخ عبد الله السبت رحمه الله تعالى افترى على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق كما يزعم؟».
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.