موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

لا حسد إلا في اثنتين

26 ذو الحجة 1427 |

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


فإن مما اشتهر بين الناس ويكثر حوله حديثهم في كثير من مجالسهم تلك الأموال التي تُهدر هنا وهناك ويأكلها بالباطل من لا حق له فيها إما سرقة أو غصبا أو استيلاء أو ربا أو رشوة أو استئثاراً بها عن الآخرين أو غير ذلك من طرق الكسب المحرمة شرعا والقبيحة طبعاً وعرفاً وهذا ما لا يخل منه عصر ولا مصر ولا يخفى على أحد له أدنى إدراك.
والحق أن هؤلاء يتابع أخبارهم كثير من الناس بل ربما يحسدهم على هذه الأموال المحرمة والتي سيسألون عنها يوم القيامة.
روى الترمذي في جامعه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»]2601[ وعند الترمذي أيضا من حديث أبي برزة -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ) [2602]

أخي القارئ الكريم إذا تذكرت هذا علمت سوء حال هؤلاء الذين يجمعون من الأموال ما هو وبال عليهم وحسابهم عند الله طويل وعسير، فالله تعالى سيسألهم عن كل دينار ودرهم من أين اكتسبوه وفيما أنفقوه، فهؤلاء شأنهم شأن من أسرف على نفسه في الفواحش والمنكرات من زنا وخمر ومسكرات ومخدرات فهل من العقل أن يحسد صاحب المنكر على منكره؟!
أم الأولى أن نقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا؟

أيها القارئ العزيز اعلم رحمني الله وإياك إنما يُغْبَطُ ذلك الرجل الذي يكسب حلالا وينفق في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
روى البخاري ]5026[ في صحيحه من حديث أبي هريرةـ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِى أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِى الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِى أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ)).
فنعم المال الصالح بيد الرجل الصالح يرزقه الله تعالى الرزق الحسن فيتقي فيه ربه ويصل به رحمه ويعرف لله فيه حقا فلا يمنع منه سائلا ولا محروما ولا يترك بابا من أبواب الخير يحب اللهُ تعالى أن ينفق فيه إلا وانفق فيه، هذا الذي يحسد أي يغبط فيتمنى المسلم أن لو كان عنده مثل ما آتاه الله تعالى ليعمل مثل ما يعمل.

أخي القارئ وفقني الله وإياك إلى كل خير، أخيرا أريد أن أذكر نفسي وإياك بالآتي:

  • أولا: ألا تتبع عورات الناس وتشغل نفسك بأسرار كسبهم لأموالهم وكيف جمعوها ومن أين؟ ومتى؟


  • ثانيا: ألا تحسد صاحب المعصية على معصيته، لا سيما الذي يجمع المال الحرام.

  • ثالثا: ألا تتمنى أن يكون عندك مثل ما عند صاحب المال الحرام فتعمل مثل ما عمل فتكون مثله في الإثم والوزر.

  • رابعا: لا يكن همك جمع المعلومات عن آخر أخبار السرقات فليست هذه ميزة يمتاز بها المسلم حتى تحرص عليها.

  • خامسا: أحمد الله تعالى وأشكره أنك لم تقع بما وقع به أولئك الذين يجمعون المال من غير حله وسيسألهم الله تعالى عنه يوم القيامة وسيهلكون إلا أن يشاء الله تعالى.

  • سادسا: بادر إن استطعت بنصيحة أولئك الذين يأكلون الأموال بالباطل فإن (الدين النصيحة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه مسلم في صحيحه ]197[ من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، إذ الأولى أن تدعوهم إلى التوبة لا أن تعيرهم بالمعصية.

  • سابعا: سرقة الأموال العامة والخاصة ليست مبررا لك أن تفرط فتكسب ما حرم الله عليك ولو قليلا فإن الله تعالى يقول (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) [الزلزلة 8[.

  • ثامنا: أن متابعة الناس في أموالهم يحرمك لذة العبادة والاستمتاع بها ويزيدك حسرة وانقباضا.

  • تاسعا: أن من ولاه الله أمر المسلمين في منصب صغير أو كبير هو الذي يحاسب الناس ويتابعهم ويراقبهم على أموالهم وهو المسؤول يوم القيامة عما استرعاه الله تعالى إياه، وليس هذا من شأن آحاد الناس.

  • عاشرا: أذكر نفسي وإياك بدعاء علمنا اياه النبي صلي الله عليه وسلم (قُلِ اللَّهُمَّ اكْفِنِى بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) الترمذي ]3911[.

هذا واسأل الله تعالى التوفيق والسداد لي ولكل مسلم والحمد لله أولا وأخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات