موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

الرد الـشافي على دكتور الشريعة (٣)

8 ذو الحجة 1428 |

من مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة حب الصحابة وولاؤهم ونصرتهم والترضي عنهم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فلقد ذكرت لك أخي القارئ الكريم في مقالين سابقين أن دكتوراً من كلية الشريعة في جامعة الكويت قد ألقى خطبة يوم الجمعة الموافق 19 شوال 1428هـ ـ 9/11/2007م وغلط في مسائل كبيرة وخطيرة وينبني عليها فساد وضلال طبقة من الشباب المتحمس...إلخ. وفي مقالي هذا أتمم ما قد بدأت به لبيان الحق والنصيحة للخلق، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب.

أول فتنة وقع فيها الصحابة فتنة المال من فتن الدنيا

أخي القارئ وفقني الله وإياك إلى الصراط المستقيم لا يخفى على أي صاحب سنة أن لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً ومنزلة كبيرين وعظيمين في نفوس جميع المسلمين وأن من مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة حب الصحابة وولاءهم ونصرتهم والترضي عنهم والإمساك عن مساوئهم لكن لا أدري كيف فات دكتور الشريعة وخطيب الجمعة فأسرف على نفسه عندما قال في خطبته بالحرف الواحد:

(أول اختبار للصحابة رضي الله عنهم لابتلاء إيمانهم وما فعلوا في مكة يقول الله تبارك وتعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) لقد وقع الصحابة في أمر يسير جداً اختبرهم الله به ألا وهو الاختبار بالمال الفتنة في حطام الدنيا امتحنهم الله تعالى في الأنفال التي غنموها بعد غزوة بدر فحصل نزاع بين بعض الصحابة وهذا يقول هذا لي وهذا لي والآخر يقول أنا أبليت بلاء حسناً والآخر يقول حميت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحق به منك، لم يعلم قبل هذه الغزوة ماذا يريد الله من الأنفال فتنازعوا فالله تبارك وتعالى يقول لهم (فاتقوا الله) خافوا الله ولا تتنازعوا و (أصلحوا ذات بينكم) ثم الله تعالى يذكر السبب، السبب الصحيح لحل النزاع وحل الشقاق وحل التفرق والتشرذم (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أول فتنة وقع فيها الصحابة فتنة المال من فتن الدنيا افتتنهم الله بالمال) أ هـ

أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله أهكذا يا دكتور تتكلم على الصحابة من غير تحفظ ولا وزن لألفاظك؟! أنسيت أم جهلت أن هؤلاء صحابة وهم خير الناس الذين زكاهم الله تعالى ورسوله؟! كيف تصفهم بقولك (لقد وقع الصحابة.... في حطام الدنيا)؟! أم كيف تجرأت بوصفك إياهم بقولك (التفرق والتشرذم)، بل كيف تلقى الله تعالى بقولك (وقع فيها الصحابة فتنة المال من فتن الدنيا! افتتنهم الله بالمال).

أخي القارئ العزيز الواجب على كل مسلم أن يتقي الله تعالى ويمسك عن الكلام في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان ثمة سبب نزول للآية فلا يزيد على أن يذكر الرواية مع التثبت من صحتها دون التعليق على شيء منها مما يظهر فيه إساءة لهم رضي الله عنهم وأرضاهم كما يجب على كل من وقع في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المبادرة إلى التوبة النصوح.

الدكتور خطيب الجمعة لا يحسن اختيار الألفاظ في حق الصحابة

دكتور الشريعة وخطيب الجمعة غير موفق في ألفاظه بل غير مؤدب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك تسمعه يقول على المنبر وهو يخطب في الناس (إن التنازع على المال ليس من صفاتكم يا معشر الصحابة) ويقول (ثم الله يعالج بعض الأمراض التي كانت موجودة عند بعض الصحابة)، ويقول (كان في بعض الصحابة كراهية للحق الذي أنزله الله وهو مواجهة الكفار)، ويقول (إذاً ستبتلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمن يجادل في الحق والحق هل يجادل فيه أحد؟ نعم يجادل فيه الجاهل والغبي والأحمق والسفيه والمجنون ويقول تبارك وتعالى (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ وَهُمْ يَنظُرُونَ) يعني أن الصحابة جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم).

أخي القارئ العزيز أكاد أجزم أن الدكتور سيقول ما كنت أقصد وليس في قلبي ولا نيتي أن أسيء للصحابة فيقال له ولأنصاره نحن ننتقد ألفاظك لا نيتك وقصدك والواجب عليك إذا كنت لا تحسن اختيار الألفاظ ألا تخطب ارتجالياً اكتب الخطبة وراجعها واضبط ألفاظك.

عند التفصيل يتم التحصيل

أخي القارئ وفقك الله تعالى للحق لا يشك مسلم بمشروعية الجهاد وفضله ولكن الذي يجهله كثير من الناس عامة ودعاة الجهاد المزعوم خاصة أن الجهاد مشروع لغيره لا لذاته، لأن المقصود منه وهو إقامة دين الله في الأرض ولتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) [البقرةـ193] قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله في الأرض وهو الفتنة، ويكون الدين كله لله، يقول: وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل. أ هـ وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره: ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى، فيظهر دين الله تعالى على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال. أ هـ وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى [28/308]: فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هي مقصود الجهاد في سبيل الله. أ هـ وقال ابن القيم رحمه الله: لأجله ـ أي التوحيد ـ جُرًّدت سيوف الجهاد. أ هـ

أخي القارئ الكريم تدبر قول الله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبةـ29] إذ لو كان الجهاد مقصودا لذاته لما سقط بأخذ الجزية فتنبه لهذا، فهو ظاهر جلي كما في حديث بريدة رضي الله عنه في صحيح مسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال: فذكر بالإسلام فإن لم يستجيبوا فالجزية فإن لم يعطوا فالقتال). إذا تبين أن الجهاد مشروع لغيره، وهو إقامة دين الله في الأرض فقبل الدعوة إليه لا بد من الفقه الشرعي الدقيق والنظر المتعمق الطويل، هل الدعوة بهذه الوسيلة تحقق الغاية المقصودة وهي إقامة دين الله أم لا؟

حالة الضعف لا يشرع فيها الجهاد

ومن الأمور المعينة على إدراك واقع المسلمين أنهم إذا كانوا في ضعف من جهة العدة والعتاد بالنسبة لعدوهم فلا يصح لهم أن يسلكوا مسلك جهاد العدو وقتاله لكونهم ضعفاء، ويوضح ذلك أن الله لم يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة بقتال الكفار لما كانوا في مكة لضعفهم من جهة العدة والعتاد بالنسبة لعدوهم. قال ابن تيمية: وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد، ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم، لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار، فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش وملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة، فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال. أ هـ وقال: وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، في أول الأمر لم تشرع المخالفة لهم، فلما كان الدين ظهر وكمل وظهر وعلا، شرع ذلك. أ هـ

وجوب نصرة المسلم

أخي القارئ اعلم حفظك الله تعالى أن الأدلة متكاثرة على وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم المظلوم سواءاً كان الظالم مسلماً أو كافراً، وسواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً، إلا أن هذا مقيد في الشريعة بألا يكون بين المسلمين والكفار عهد وميثاق قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفالـ72]. قال ابن كثير: يقول تعالى وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بينكم وبينهم ميثاق) أي مهادنة إلى مدة فلا تخفروا ذمتكم ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن العربي في أحكام القرآن (2/887) : يريد إن دعوا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لإنقاذهم فأعينوهم فذلك عليكم فرض، إلا على قوم بينكم وبينهم عهد فلا تقاتلوهم عليهم، يريد حتى يتم العهد أو ينبذ على سواء. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (8/57) : إلا أن يستنصركم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته. وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: وقوله تعالى (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) أي عهد بترك القتال، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم فلا تعينوهم عليهم لأجل ما بينكم وما بينهم من الميثاق.

موقف الدولة المسلمة إذا اعتدي على دولة مسلمة أخرى

فمن هذا كله يستفاد أن كل دولة مستقلة في الحكم فإذا كان بينها وبين دولة كافرة عهد وميثاق فاعتدت هذه الدولة الكافرة على دولة أخرى مسلمة، فلا يصح للدولة المسلمة أن تنصر أختها المسلمة على الكافرة، ما دام بينها وبين الكافرة عهد وميثاق، ويؤكد هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فإنه لم ينصر أبا بصير وأبا جندل على كفار قريش، لأنه بينه وبين كفار قريش عهد وميثاق، وأصحابه الكرام الذين تحت ولايته لم ينصروا أبا بصير وأبا جندل، بل التزموا العهد الذي عاهد عليه إمامهم وولي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش. ومن ذلك أيضاً أنه إذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض ملوك الكفار عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزو الكفار، فليس عهد ولا ميثاق ملكي ملزماً للأمر من الملوك، بل كل دولة مستقلة وحدها.

خاتمة وشكر وتقدير

أخي القارئ بارك الله فيك لمتابعتك إياي حتى الخاتمة واعتذر لك على الإطالة والإسهاب وذلك لأن الأمر خطير والشبهات خطافة فرأيت من الواجب عليّ التصدي لهذه المناهج والأفكار التي يحملها الدكتور وأمثاله، أسأل الله لي ولهم الهداية، وأشكر الإخوان الذين ساعدوني في هذا الرد واستفدت منهم وأخص بالذكر الأخ الشيخ/ عبد العزيز بن ريس الريس والأخ الابن عبد الرزاق الحيدر، والأخ الابن صلاح المسباح الذي أرسل لي رسالة هذا نصها: (شيخنا حفظك الله عز وجل ذكر الحافظ في الفتح أن شرط الإسلام للوالدين في الاستئذان للجهاد هو قول الجمهور دون تفصيل).

هذا وأسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولا وآخر وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات