موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

لماذا لا نرد على كل من أخطأ؟!

29 صفر 1428 |

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



فإن الأصل فيمن أخطأ أن يرد عليه؛ لأن الخطأ منكر، والمنكر يجب إنكاره وتغييره إن أمكن، والقاعدة في ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - المشهور الذي [رواه مسلم 49]في صحيحه (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
وقد ردَّ اللهُ تعالى على أهل الباطل باطلهم وعلى أهل الشبه شبههم، وهو رب العالمين ليكون ذلك منهجاً لعباده، حتى الباطل الواضح الذي لا يختلف على باطله عاقلان جاء الجواب عليه مفصلاً، وبأدلة متنوعة، فردَّ على منكري البعث، وردَّ على من زعم أن لله ولداً، ومن قال إن الملائكة بنات الله، وردَّ على من قال إن الله فقير، وعلى من قال يد الله مغلولة، وعلى من قال نحن أبناء الله وأحباؤه، وعلى من قال لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، وعلى من قال من يحيي العظام وهي رميم، ومن قال عن رسول الله صلي الله عليه وسلم «شاعر أو مجنون»، إلى غير ذلك كثير وكثير جداً.



أقول هذا هو الأصل، الرد وعدم السكوت، وتغيير المنكر إلا أن هذا خاضع أيضاً للقواعد العامة بحيث يكون الرد على علم وبالرفق، ومع الصبر وبما تقتضيه المصلحة، وإلا قد يكون السكوت في بعض المقامات أولى بل وأوجب من الإنكار، فإن قلت كيف؟ 

فأقول على سبيل المثال:

كما لو كنت ضعيفاً في العلم ثم تصدَّرتَ للرد على صاحب شبهة كبيرة أو شُبَهٍ كثيرة، فربما هزمك أمام الناس، وظهر أنه المحق، وأنت المبطل، فسكوتك هنا أولى، ولك أن تستعين بمن أعلم منك ليتصدى لذلك المبطل.

كذلك إذا كان المردود عليه لا يستجيب ولا ينتفع لكل من أنكر عليه، إما لتكبره أو لعلو منصبه ومكانته أو لأسباب أخرى، فحينئذ السكوت عنه أولى من الرد عليه حتى نجد من يرد عليه بما يناسب حاله.

كذلك إذا كان الرد غير نافع، فعدم الرد أولى، قال تعالى(فَذَكًّرْ إًن نَّفَعَتً الذًّكْرَى) [الأعلى-9]، أي إذا رأيت الذكرى تنفع فذكر بها.

كذلك إذا وجد من يتكلم بالباطل، ويريد من يرد عليه ليشتهر بذلك، وهذا أيضاً من الأمراض التي يصاب بها كثير من السفهاء، فيجد السبيل إلى الشهرة أن يقول قولاً منكراً حتى تتوالى عليه الردود فيصبح مشهوراً.

كذلك قد تكون المصلحة بالسكوت وعدم الرد -لا سيما-إذا كان الخطأ اجتهادياً أو تقديرياً، وذلك خشية أن يشمت الأعداء بنا أو الخصوم أو المخالفون.

ومن الناس من يسكت لأنه لا يملك الرد، وإن كان محقاً، ومنهم يسكت وهو مبطل، فيرى الناسَ ينتقدونه، ويردون عليه، وهو يخفي باطله، ويزعم أن الأولى عدم الرد.

وكثير من الأحيان يمسك العالم عن الرد تطبيقاً لمبدأ الأولويات، فالمخطئون كثيرون، وأهل الباطل لا يحصيهم إلا الله تعالى، فلا يمكن أن يرد على كل من أخطأ أو ضل أو ظلم أو اعتدى.


وأحياناً يسكت العالم عن بعض الباطل؛ لأن غيره قد كفاه، فكثير من المنكرات تغييرها أو إنكارها يكون من باب فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط عن البعض الآخر.



أخي القارئ هذه بعض الأسباب التي تجعل المسلم أحياناً لا يرد أو لا ينكر كل خطأ، واللهَ أسأل أن يوفق جميع المسلمين إلى ما يحب ويرضى، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات