تذكير المتصدقين بالإخلاص لرب العالمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الإخلاص لله في جميع الأعمال شرط لقبولها، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.
وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.
وقال تعالى : {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي}.
وهذا على سبيل العموم في جميع العبادات.
وجاءت النصوص تؤكد على الإخلاص في الصدقة على سبيل الخصوص؛ لأن مقاصد الناس كثيرة في الصدقة.
قال تعالى: {وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}.
وقال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وقال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}
وقال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
وقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فأخي المحسن المتصدق، لا تنسَ أن تجعل ما تنفقه لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، فإياك أن تنفق فزعة أو مجاملة أو وطنيةً أو تعاطفاً أو حمية، أو -والعياذ بالله- سمعة ورياء، أو لأي قصد آخر، فالأصل والواجب أن تكون صدقتك ونفقتك لوجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته.
يقولون تستاهل الكويت!!
نعم -والذي نفسي بيده- تستاهل الكويت، وكل إنسان بلده عزيزة عليه، وحبه لبلده فطري، ولا يخالف في ذلك إلا الشواذ وقليلو المروءة.
لكن هذا لا يعني أن ننسى أو نغفل عن الإخلاص لله تعالى، فالمقصود من الصدقةِ التقربُ لله تعالى بها، وابتغاءُ مرضاته، ورجاءُ الأجر والثواب، ومن لم يخلص لله تعالى؛ فاته الأجر، وربما لم يسلم من الإثم.
فلزم التذكير والبيان حتى تكون صدقاتنا عند الله تعالى مقبولة.
واعلم أخي المسلم المحسن المتصدق أن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فأموال الحرام من الربا أو الرشوة أو التزوير أو النصب والاحتيال، أو الإختلاسات أو الغش أو ظلم العمال، أو من بيع ما حرم الله تعالى كالخمور والمخدرات، أو الاستيلاء عن المخصصات لمن لا يستحقها، أو أخذ أموال الزكوات والصدقات لمن لا يستحقها، أو أكل أموال اليتامى، أو من الشعوذة والدجل والتكهن، أو من الرواتب والعلاوات غير المستحقة، أو غير ذلك من أنواع الكسب الحرام الخبيث= فهذه كلها لا يقبلها الله تعالى.
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عن - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يصعد إلى الله إلا الطيب-؛ فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل» رواه البخاري (١٤١٠).
وفي حديث آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضاً أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم (١٠١٥).
وترك هؤلاء للحرام خير وأولى وأوجب من صدقاتهم.
ويُروى أن امرأة كان تكسب أموالاً من الفواحش لتتصدق بها على أيتام، فقيل لها: حنانيك لا تزني ولا تتصدقي!!
وقد أفتى بعض أهل العلم لمن أراد أن يتخلص من مال حرام أن يتصدق به ليتخلص منه، لا ليتقرب به إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
واحذر أخي المسلم أن تتصدق لكي يقال عنك جواد وكريم ومحسن كبير، بل كلما أخفيت صدقتك؛ كان ذلك أكمل وأعظم أجراً.
فقد ذكر لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أصنافاً يدخلون النار، ومنهم ما جاء ذكره في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (١٩٠٥) وفيه قال: «....... ورجلٌ وسَّعَ الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل. ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار».
وإني في هذه المناسبة ونحن نعيش في بلاء وباء كرونا:
أدعو كل مسلم أن يعجل بالتوبة والإقلاع عن المحرمات والمظالم والعقوق والقطيعة والربا والغش والكذب والتزوير والتبرج والسفور، وغير ذلك من المحرمات التي لا يكاد يسلم منها أحد.
والصادق منا في حبه للخير لبلده هو من يستقيم على أمر الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، ويكف عن المنكرات؛ حتى يرحمنا ربنا، ويرفع عنا البلاء.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن ترفع البلاء عنا، وعن كل عبادك في كل مكان.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.