موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

وَمَن لَّمْ يَجْعَلً اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مًن نُّور

7 شعبان 1428 |




الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ولو كره المشركون، أما بعد:



فإن الله تعالى ذكر في كتابه وفي مواضع كثيرة أن سبب ضلال كثير من بني آدم التعصب واتباع الأسلاف حتى لو ظهر الحق واضحاً جلياً وأتتهم كل آية ما اتبعوه!!

ولم يذكر الله تعالى لنا حال المشركين الأولين وضلالهم وتعنتهم وتعصبهم عبثاً ولعباً، كلا بل لنحذر كل الحذر فلا نفعل مثل فعلهم فيصيبنا مثل ما أصابهم.



أخي القارئ إذا عرفت هذا فإني ذاكر لك في مقالي هذا جانباً أو قدراً يسيراً جداً لما ورد في كتاب (إحياء علوم الدين) لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي المولود في عام 450 هـ والمتوفى عام 505هـ أي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس وتوفي أول القرن السادس. 

لقب الغزالي بألقاب كبيرة منها (حجة الإسلام) و (الإمام) و (إمام الأئمة) وغير ذلك وكتابه ]إحياء علوم الدين] موسوعة كبيرة جمعت الغث والسمين فبالغ بعض المعجبين به حتى قالوا: (بع اللحية واشتر الإحيا)، وجهل كثير من الناس حقائق ضمها هذا الكتاب فمنهم من لا يعرف سوى اسمه ومنهم من سمع به ومنهم من لم يسمع به ومنهم من عظمه ولا يعلم ما احتوى عليه، وهؤلاء أعنيهم بالدرجة الأولى في مقالي هذا راجياً من الله تعالى أن يشرح صدورهم، ويبصرهم بالحق ويرزقهم اتباعه، وإني متوكل على الله تعالى وعلى يقين ألا يصيبني إلا ما كتب الله لي، ولا أبالي بما قالوا أن من انتقد كتاب إحياء علوم الدين أصيب ببلاء!!

 فالدنيا كلها بلاء لا ينجو أحدٌ من بلائها بل الله تعالى قال (الَّذًي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لًيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزًيزُ الْغَفُورُ { [الملك2]، بل سأنتقده نصرة للحق ودحضاً للباطل، فأقول وبالله أستعين:

قال الغزالي في كتابه (الإحياء) المجلد الرابع [ص4/354] في كتاب المحبة والشوق باب: بيان جملة من حكايات المحبين وأقوالهم ومكاشفاتهم.

 وقد ذكر بعض الحكايات في كرامات الأولياء والصالحين ومكاشفاتهم كما زعم وهي أشياء غريبة وعجيبة لا يقرها شرع ولا عقل وسأنقل لك بعضاً منها فتحكم بنفسك ولك أن ترجع إلى المصدر فتتأكد بنفسك ليطمئن قلبك وهذا من حقك فقد ذكرت لك اسم الكتاب والباب بالتحديد مراعاة لاختلاف الطبقات.


أبو يزيد البسطامي يغار على الله من نفسه!!



قال الغزالي: (ويحكى عن يحيى بن معاذ أنه رأى أبا يزيد في بعض مشاهداته ..... سجد عند السحر فأطاله ثم قعد فقال: اللهم إن قوما طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي في الهواء فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فرضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، وإن قوما طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض فرضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، حتى عدَّ نيفاً وعشرين مقاماً من كرامات الأولياء، ثم التفت فرآني فقال: يحيى؟ فقلت: نعم يا سيدي، فقال: منذ متى أنت ها هنا؟ قلت: منذ حين، فسكت، فقلت: يا سيدي حدثني بشيء، فقال: أحدثك بما يصلح لك أدخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي وأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف بي في السماوات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش ثم أوقفني بين يديه، فقال: سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك؟ فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئا استحسنته فاسألك إياه، فقال: أنت عبدي حقاً تعبدني لأجلي صدقاً لأفعلن بك ولأفعلن فذكر أشياء، قال يحيى: فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه، فقلت: يا سيدي لم لا سألته المعرفة به؟ وقد قال لك ملك الملوك سلني ما شئت قال: فصاح بي صيحة، وقال: اسكت ويلك غرت عليه مني حتى لا أحب أن يعرفه سواه) انتهى بحروفه.

قال تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرًهً وَالْأَرْضُ جَمًيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقًيَامَةً وَالسَّماوَاتُ مَطْوًيَّات بًيَمًينًهً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرًكُونَ) [الزمرـ67].



نظرة إلى أبي يزيد أنفع من أن ترى الله سبعين مرة

(سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبًيراً) [الاسراء - 43].



قال الغزالي: (وحكي أن أبا تراب النخشبي كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه والمريد مشغول بعبادته ومواجدته فقال له أبو تراب يوما : لو رأيت أبا يزيد؟ فقال: إني عنه مشغول، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله لو رأيت أبا يزيد، هاج وجد المريد، فقال: ويحك ما أصنع بأبي يزيد قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد؟ قال أبو تراب: فهاج طبعي ولم أملك نفسي، فقلت: ويلك تغتر بالله عز وجل لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة( انتهى كلامه حرفيا.


قال تعالى (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف - 19].

لله عباد لو سألوه أن لا يقيم القيامة لم يقمها!!



قال تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مًمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهً وَكَذَّبَ بًالصًّدْقً إًذْ جَاءهُ) [الزمر - 32].



قال الغزالي: (لما دخل الزنج البصرة فقتلوا الأنفس ونهبوا الأموال اجتمع إلى (سهل) إخوانه فقالوا: لو سألت الله تعالى دفعهم؟ فسكت ثم قال: إن لله عبادا في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا مات في ليلة واحدة ولكن لا يفعلون قيل: لِمَ؟ قال: لأنهم لا يحبون ما لا يحب، ثم ذكر من إجابة الله تعالى أشياء لا يستطاع ذكرها، حتى قال: ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها) انتهى بحروفه.



قال تعالى (أَفَحَسًبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إًلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلًكُ الْحَقُّ لَا إًلَهَ إًلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشً الْكَرًيمً) [المؤمنون:115ـ116].

الغزالي يقول هذه أمور ممكنة ولا ينبغي أن ينكرها المؤمن



أخي القارئ الكريم وكالعادة التعصب قد يحمل صاحبه على أن يرد الحق ولو كان كالشمس وضوحاً فقد يقول قائل ربما أورد الغزالي هذه الحكايات وهو غير مقر لها أو لنقدها أو أو أو لكن للأسف كل ذلك لم يكن بل قال وبالحرف: (وهذه أمور ممكنة في نفسها فمن لم يحظ بشيء منها، فلا ينبغي أن يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها فإن القدرة واسعة والفضل عميم وعجائب الملك والملكوت كثيرة، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية له).



وقال أيضا: (أي الغزالي) فأمثال هذه المكاشفات لا ينبغي أن ينكرها المؤمن لإفلاسه عن مثلها، فلو لم يؤمن كل واحد إلا بما يشاهده من نفسه المظلمة وقلبه القاسي لضاق مجال الإيمان عليه، بل هذه أحوال تظهر بعد مجاوزة عقبات ونيل مقامات كثيرة، أدناها الإخلاص ...إلخ) انتهى كلامه بحروفه.



قال تعالى (الَّذًينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فًي الْحَيَاةً الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسًنُونَ صُنْعا) [الكهف ـ 104].



أيها القارئ حفظك الله من كل سوء وبدعة وهوى فهل بعد هذا من شك أن كتاب (إحياء علوم الدين) قد حوى باطلا لا ريب ببطلانه؟!

 لا شك أن من يصر على الدفاع عن الغزالي وكتابه إنما حامله على ذلك التعصب والتقليد الأعمى وإلا الأمر واضح جداً بلا أدنى لبس أو شك أو غموض ولكن (وَ مَن لَّمْ يَجْعَلً اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مًن نُّور ).

والله اسأل أن يوفقنا إلى هداه وتقواه والحمد لله أولا واخرا وصلى وسلم الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات