من المسؤول عن مشكلة العمالة السائبة؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فالواجب على كل مسلم أن يحرص على الكسب الحلال الطيب، ويتجنب الكسب الحرام الخبيث، ويبتغي لقمة العيش له ولأهله ولأولاده مما أباح الله تعالى لعباده من الطيبات من الرزق، ويحذر كل الحذر من الخبائث وأكل السحت الحرام.
واعلم أن الحرام على نوعين:
الأول: حرام لعينه، كالميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها، وهذه أشياء محدودة.
الثاني : حرام لكسبه، كالربا والرشوة وأكل مال اليتيم والمسروق والمغصوب والغش والتزوير وأجرة العمال وغيرها، وهذه المحرمات كثيرة.
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة (١٧٢)].
وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة (٤)].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء (٢٩)].
وقال تعالى في وصف لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف (١٥٧)].
وآكل الحرام إنما يأكل في بطنه النار، ومن نبت لحمه من الحرام فالنار أولى به، وقد يدخل في لعنة الله تعالى إذا كان مرابياً أو سارقاً أو راشياً أو مرتشياً.
وآكل الحرام لا يستجاب دعاؤه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟!) [رواه مسلم (١٠١٥)].
ومن هذا الحرام: بيع الفيز والإقامات على العمال. فقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- السؤال التالي:
هناك بعض الناس يستخرج تأشيرات لاستقدام عمالة أجنبية بغرض بيعها...... إلى أن قال: فهل ما يفعله هؤلاء حلال أم حرام؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله.
هذا العمل لا يجوز، بل هو غش وخداع وكذب، لا يجوز، فلا يأخذ العمال إلا ليعملوا لنفسه أو ليعملوا لبناء أو لمزرعة أو غيرها، أما أن يكذب ليأخذ تأشيرات ورخصاً ثم يبيعها هذا لا يجوز؛ لأنه كذبٌ على الدولة، وقد يكون فتح باب شر على المسلمين باستقدام أولئك العمال، بل على الإنسان أن يطلب من الدولة على قدر حاجته، وعلى حسب نظام الدولة لا يزيد ولا ينقص ولا يكذب، وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء منذ سنوات في منع هذا، وبيان أنه منكر ولا يجوز، وليس له أن يستقدم ولا يأخذ إلا بقدر حاجته من غير كذب، وأخذ المال بهذه الطريقة أخذ للحرام بالكذب والسحت، نسأل الله السلامة.
انتهى من مجموع فتاوى الشيخ عبد العز بن باز -رحمه الله- [الجزء ٣ - صفحة ١٩٨- ١٩٩].
أقول:
وقد أفتى بحرمة بيع الفيز والإقامات عامة أهل العلم.
والسؤال: من المسؤول عن مشكلة العمالة السائبة؟
الجواب: في قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان} } [المائدة (٢)].
نعم.. كل من ساهم في هذه المشكلة فله نصيب من الإثم، وعليه من المسؤولية بقدر ما شارك، ولا يجوز أن نحمل فئة دون فئة، أو نبرئ فئة دون فئة، ولا الصغير دون الكبير، ولا الكبير دون الصغير، بل كل من تعاون على الإثم والعدوان فهو مسؤول اتجاه حكومته وبلده وأهل بلده، ومسؤول عن الفوضى وعن الجرائم والسرقات، وعن الفساد والظلم والدعارة وغلاء الأسعار، وازدحام الشوارع والمستشفيات والمستوصفات.
ومتى ما شعر المذنب بالذنب فقد يبادر بالتوبة، أما إذا كان في غفلة يلقي معاذيره، ويرمي بالتهم غيره، ويبرئ نفسه، وهو جزء من المشكلة، غارق بالإثم مع الغارقين، معتدٍ مع المعتدين؛ فهذا غير مقبول ولا معقول.
نعم.. بسبب الغفلة قد لا يتوب ولن ينتبه من غفلته، إلا أن يشاء الله تعالى.
ولذلك يمكننا أن نقول:
إن المشاركين في هذه المعضلة والمتعاونين على الإثم والعدوان هم كثر، ومنهم:
١/ كل من يستخرج رُخصة لنفسه للعمالة من غير عمل.
٢/ كل من يستخرج رُخصاً لغيره ممن لا يستحق الترخيص.
٣/ كل السماسرة الذين يربطون بين الكفلاء والعمال، سواء كانوا داخل البلد أو في بلدان العمال، وسواء كانوا مكاتب أو أفراداً.
٤/ كل موظف يستخرج فيزاً وتأشيرات زائدة فوق ما يستحق العمل أو المشروع، مما يسمى بتقدير الإحتياج.
٥/ كل أرباب الواسطات والشفاعات من أعضاء أو مرشحين أو متنفذين، ممن يستخرج فيزاً وتأشيرات، لأغراضٍ ومقاصدَ إنتخابية أو نفعية، أو لقرابة أو لرشوة يستحق عليها لعنة الله تعالى.
٦/ كل العمال الراشين الذين وافقوا على دفع مبالغ مقدماً لشراء الفيز والتأشيرات، أو لتحويل الإقامات.
٧/ كل موظف يصدر فيزاً وتأشيرات ويتجاوز المسموح به.
٨/ كل مزور يزور الأختام والفيز والتأشيرات.
٩/ كل من يأكل رواتب العمال أو يعطلها، مما يجعلهم يضطرون للهروب، والبحث عن أعمال يسترزقون منها.
١٠/ كل من يعتدي على العمال بالضرب، أو يتحرش بهم، أو يهينهم، أو يحملهم فوق طاقتهم، مما يضطرهم للهروب.
١١/ كل من يستغل منصبه فيرهب العمال ويخوفهم ويهددهم بالتسفير أو السجن أو التبليغ عنه بالهروب.
أقول:
الواجب علينا جميعاً أن نتعاون على البر والتقوى، ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وكلٌّ منا يراجع نفسه ويحاسب نفسه، حتى نخرج من المظالم بسلام. فالظلم ظلمات يوم القيامة . والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.