تأملاتٌ وتدبرٌ في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد:
فهذه تأملات وتدبر لآية الصيام، أردت أن أذكر بها نفسي وإياكم، فأقول وبالله وحده أستعين:
أولاً: صدَّر الله تعالى الآية بالنداء {يَا أَيُّهَا} للتنبيه، فانتبه لما سيأمر به جل وعلا.
ثانياً: نادى جل وعلا عباده بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛ لبيان أن ما سيأمرهم به امتثاله من الإيمان.
ثالثاً: وفيه أن تركه أو الإخلال به مُخلٌ بالإيمان.
رابعاً : قوله: {كُتِبَ} لبيان أن الصيام مكتوب علينا، أي: مفروض علينا، ومأمورون به على سبيل الوجوب والإلزام، لا على سبيل الاستحباب أو الاختيار ، وليس هو من العادات والتقاليد.
خامساً: قوله {كُتِبَ} فعلٌ مبني على ما لم يُسَمَّ فاعله للعلم به وهو الله تبارك وتعالى.
سادساً: {كُتِبَ} من صيغ الوجوب، مثل فَرَضَ وأَوْجبَ وأَمَرَ.
سابعاً: في الآية دليل على أن التشريع حق لله تعالى وحده، فهو الذي يأمر عباده وينهاهم ويبيح لهم ويحرم عليهم.
ثامناً: {كَمَا}: الكاف حرف جر للتشبيه ، و{مَا} مصدرية، أي: ككتابته تعالى على الأمم السابقة، فشبه الكتابة بالكتابة، وليس المكتوب بالمكتوب، فالصيام في شرعنا هو : التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، وصيام الأمم التي قبلنا قد يختلف.
تاسعاً: قوله {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فيه بيان فضل الصوم، فقد كتبه الله علينا كما كتبه على الأمم التي قبلنا.
عاشراً: فيه تسلية للمسلمين، وتهوين لمشقة الصيام عليهم، فالإنسان متى ما كُلَّفَ بأمر قد كُلِّفَ به غيره على حدٍ سواء هان عليه، بخلاف لو كُلِّفَ بما لم يُكَلَّف به أحدٌ سواه.
الحادي عشر: وفيه استكمال فضائل الأمم التي سبقت لهذه الأمة، فأكرمها الله تعالى بفرض الصيام.
الثاني عشر: فيه بيان الحكمة من الصيام لقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ}، ولعل في مثل هذا السياق للتعليل وبيانَ الحكمة، وليست للترجى.
الثالث عشر: فيه بيان أن الصيام له حكمة، وليس مجرد حرمان وجوع وعطش.
الرابع عشر: فيه بيان الحكمة من الصيام وهي التقوى، ومعنى التقوى: امتثال المأمور واجتناب المحظور طاعةً لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- مع احتساب الأجر والثواب.
الخامس عشر: بيان تنوع العبادات، فمنها ما هو فعل بالإيجاب كالصلاة، ومنها ما هو بالمال كالزكاة، ومنها هو بالترك والكف كالصيام، ومنها ما يجمع بينها كالحج، ففيه أفعال وترك ونفقةُ أموالٍ.
السادس عشر: فضل التقوى، ولذلك أمر الله تعالى عباده من الأولين والآخرين بها فقال : {...وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ...}[سورة النساء (١٣١)].
السابع عشر: فيه بيان أن للتقوى أسباباً، ومن أسبابها الصيام.
هذا ما تيسر ذكره، والله أعلم.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.