الخميني .. ثُمَّ ..صدام .. واليوم أردوغان !!
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، ولا عدوانَ إلَّا على الظالمين، والعاقبةُ للمتقين، وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعدُ: فإنَّ مِن عادةِ السياسيين أنَّهم يعبثون بعواطفِ الشُّعوبِ، وسرعان ما يتأثرُ الناسُ بشعاراتِهم، ثُمَّ تظهرُ حقائقُهم بعد بضعِ سنين فينتبه من شاء الله له أن يتنبه ويبقى آخرون مخدوعون به إلى أن يشاء الله تعالى لكن أسرعُ مِن ذلك نسيانُ الشعوب وُعُودَ السياسيين!! وطبيعي جدًّا أن يفرحَ المسلمُ ويتفاءل برجوعِ العزَّةِ للمسلمين، والقيادةِ والريادةِ لهم، وتتحرُّرِ بلادِهم مِن أيدي الغاصبين مِنَ اليهودِ وغيرِهم، وعودةِ المسجدِ الأقصى والقدسِ إلى سيادةِ المسلمين وحكمهم، ولكن مِن غيرِ المقبولِ ولا المعقولِ أن يكررَ السياسيون خداعَنا، وأنْ نمكنَهم مِنَ العبثِ بعواطِفنا وعقولِنا، وأنْ نُلْدغَ مِن جُحرٍ واحدٍ مرارًا وليس مرتين فقط ! وفي حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- أنَّه قال: «لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ» [أخرجه البخاري (٦١٣٣)، ومسلم (٦٣)]. أي يفترضُ أن يكونَ عندَ المؤمنِ مِنَ الفطنةِ والكياسةِ ما يمنعه مِن تَكرار الخطأ. نعم؛ مِن حقِّكَ أيها المسلمُ، أن تفرحَ ونريدُ أنْ نفرحَ معك، لكن لا نريدُ أن يعبثَ بنا السياسيون كعادتِهم. والسياسيون -للأسف- يكذبون على الشعوب كثيرًا، ففي آخِرِ السَّبعينات مِنَ القرنِ الماضي ظهرَ الخميني، وفي أوَّلِ ظهورِه أحرقَ العلمَ الإسرائيليَّ مِن فوق سفارتِها في طِهران، ورَفَعَ علمَ فلسطين، ونادى بشعارِ الموتِ لأمريكا والموتِ لإسرائيلَ، وفَرِحَ المسلمون وتفاءل به بعضُ العرب إلَّا أهل التوحيدِ الذين يعرفون أنَّه رافضيٌّ فلم ينخدعوا به ولا بشعاراتِه، والحمد لله ، بينما توقع كثيرٌ مِنَ الناس أنَّ الخمينيَّ سيحرر فلسطينَ، خابت آمالهم فما حَررَ شبـرًا واحداً منها، ولا أَطلقَ على إسرائيلَ رصاصةً، واحدة بل بدأ بتصديرِ الثَّورةِ، وبدأتِ التفجيراتُ في الكويتِ والشَّغْبُ في موسمِ الحجِّ والمسيراتُ في مكةَ. ثُمَّ احتلت إيرانُ أربعَ عواصمَ عربية: بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، وكادت تَسقط بيدها المنامة، ومازال اتباعه يخططون على مكةَ والمدينةِ والرياضِ، وانتشر شرُّهم في كثيرٍ مِنَ البلادِ الأفريقيةِ والآسيويةِ والأوربيةِ إلا القدس ما دخلوها ولا نال اليهودَ منهم شيء . ومع ذلك فإلى اليوم ما زال بعضُ الناسِ مَن يُحسنُ الظنَّ بإيرانَ ويحتفل بذكرى تولي الخميني للحكمِ. وما أفعال قادة حماس عنا ببعيد حتى قاسم سليماني لقبوه بشهيد القدس !! وفي يوم من الأيام توجهت أنظارُ كثيرٍ مِنَ المسلمين مدةً مِن الزَّمنِ إلى مَنْ ظنُّوه عبدَالله المؤمن والبطلَ الصنديدَ وحامي البوابة الشرقيةِ للخليجِ ألا وهو صدام حسين، فدعموه ماليًّا ومعنويًّا، وقالوا فيه الشِّعرَ والنثرَ، وتأملوا أنَّه المُخلِّصُ المنتظرُ الذي سيحررُ القدسَ عاجلًا أو آجلًا، وزعموا أنهم رأوا صورتَه في القمرِ !! ثُمَّ احتلَّ صدامُ الكويتَ، وسَفَكَ دماءَ أهلِها، وشرَّدَ مَن شرَّدَ، وأَسرَ مَن أَسرَ، فعَلِمَ الناسُ حقيقتَه، وأنَّهم كانوا مغترين ومخدوعين به، لكن -للأسف- بعد فواتِ الأوانِ. وبعد صدامِ حسين ظَهَرَ أردوغان، الخليفةُ المنتظرُ فطار به مَن طار، ورَفَعَ شعاراتٍ برَّاقة، ووَعد وعودًا كثيرةً، منها أنَّه لن يَسمحَ لبشار الأسد أن يقتلَ شعبَه، وأعطاه مهلة مدتها أسبوعيين، فقام الشعبُ السوريُّ متفائلًا فَرِحًا مسرورًا، وتبـرَّع الناسُ في الخليجِ وغيرِه، وأعلن بعضُهم شراءَ الأسلحةِ، وأرسلوها لتحرير سوريا من نظام بشار، والنتيجةُ أن دمروا البلاد ، وسُفكتِ الدِّماءُ، وذَهَبَ الأمنُ و الأمانُ، وتشرَّد أغلبُ الشَّعبِ السوريِّ، والأسبوعان صارت عشرَ سنواتٍ، وبشارُ ما زال في مكانِه!! ثُم وضع أردوغانُ يدَه على أجزاء من سوريا، وتقاسمها مع روسيا وإيران، ودخل العراقَ وليبيا، ووضع قاعدةً في الخليج، وقريبًا في اليمن، ومازال بعض الناس يظنُّ أن أوردغان سيحرر الأقصى مِن يدِ الغاصبين!! أما الخميني فقد قام بحرق علم الدولةِ اليهودية وحطَّم سفارتها، وقال الموت لإسرائيل، وأما صدام حسين فقد أرسل بعضَ الصواريخ على تل أبيب، بينما أردوغانُ فهو حليفٌ كبيرٌ لإسرائيلَ، وله سفارةٌ في إسرائيلَ، ولإسرائيلَ سفارةٌ في تركيا، وبينهما تبادلٌ تجاريٌّ، وتعاونٌ عسكريٌّ بل حتَّى لما اشتعلتِ الحرائقُ في إسرائيل بادرت تركيا في إطفائِها، فليت شعري ما هذه المبالغة في تمجيدِ أوردغان وتعظيمه !؟ للأسف كثيرٌ من الناس تحرِّكُهم العاطفةُ والحماسُ، ولا يعتمدون ميزانَ التوحيدِ والعقيدةِ والسُّنةِ، وأكثرُ المتعاطفيين لا يعرفون أنَّ عقيدةَ الصوفيةِ وعقيدةَ الرافضة وجهان لعملةٍ واحدةٍ، فالصوفيةُ يختلفون مع أهل السنة في كثير من مسائلِ العقيدةِ كالرافضة إلا في مسألةِ عدالةِ الصَّحابةِ -رضي اللهُ عنهم-، وكلهم يبغضون أهلَ التوحيدِ والسُّنةِ، ويحاربونهم بكلِّ ما يستطيعون، ولهم سوابقُ مشهورةٌ . فكم هو مؤلمٌ أن نختلفَ فيما بيننا على أردوغان، ونتبادل الاتهاماتِ والسبَّ والشتمَ واللعنَ، بل وُجِدَ من بيننا من
يُخوِّنُ الآخرين ويُكفرُهم من أجل أردوغان !!
أكلُّ هذا من أجل أردوغان؟!
ما لنا ولأردوغان؟!
إن أحسن فلنفسه، وإن أساء فعليها، ولا يجوز أن نتدابر ونتقاطع ونتباغض لأجل أردوغان ولا غيره، وفي حديث أبي هُرَيرةَ، رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «لا تحاسَدُوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا، المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنَا» ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ» [أخرجه مسلم (٣٢)].
فكيف نعصي اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم- من أجلِ أردوغانَ أو غيرِه؟!
وبإمكانِ كُلٍّ منَّا أن يدليَ برأيه دون تجريحٍ ولا تشكيكٍ في الآخرين.
وأردوغان ليس وليَ أمرِنا ولسنا مِن رعيتِه، وهو ليس على مذهبِنا حتى نعاديَ ونواليَ من أجله.
وخطابي هذا ليس نصيحة لأردوغان حتى يقال لماذا لم تنصحه سراً ، وليس خطاباً للأتراك حتى يقال لماذا تهيج رعيته ضده .
فافهم هذا جيداً يا من تستعجل في الحكم
خطابي نصيحة للذين يتنازعون ويتقاطعون ويتدابرون على ماذا ؟
على أوردغان !!
مالنا وله ، سبحان الله
هل انتهينا من حل مشاكلنا حتى ننقل مشاكل غيرنا إلينا ؟
أما مسجد (آيا صوفيا) فقد بالغ كثيرٌ مِن الناسِ في الكلامِ بين غالٍ وجافٍ، إن كان أردوغانُ قد أحسن فلنفسه ، وإن أساء فعليها، ومن رأى خطأً أو علم بمخالفات شرعيةٍ؛ فمِن حقِّه أن يُبينَ حكمَ اللهِ ورسولِه في ذلك، وما عليه إلا البلاغ، وليس لأحدٍ الحقُّ أن يمنعَه أو يسبَّه أو يُخونَه؛ لأنَّه بيَّن الحكمَ الشرعيَّ . ومن رأى أن مسجدَ (آيا صوفيا) فتحٌ عظيمٌ ونصرٌ مبينٌ، وخَطوة نحو تحريرِ المسجدِ الأقصى كما يقول فليفرحْ بذلك ولا يلزمُ غيرَه أن يفرح معه. وأما سبه ولعنه وتخوينه وتكفيره فهذا قطعاً لا يجوز شرعاً.
وهكذا نطوي الجدلَ بيننا بخصوص أردوغان وتركيا ومسجد (آيا صوفيا).
والحمدُ لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.