تذكير أولي الألباب بتحريم اقتناء الكلاب
الحمد لله وحده والصلاة والسَّلامُ على من لا نبي بعده، أما بعد فإن تربية الكلاب في البيوت من العادات السيئة الدخيلة على المسلمين وفِي تربيتها في البيوت مفاسد كثيرة منها :
أولاً: يخسر من حسناته خسارةً عظيمة.
فقد روى البخاري (2322 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ ) . وروى مسلم (1575) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ ) . وروى مسلم أيضاً (1574) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ ) .
والقيرطان قيل أنهما الجبلان من الحسنات وقيل : القيراط هو مقدارٌ مِن الثَّوابِ معلومٌ عند اللهِ تعالى، والمرادُ نقصُ جزءٍ مِن أجرِ عمَلِه وقيل القيرطان سهمان من عشرين، أو سهمان من أربعة وعشرين من الأجر، أي أنه ينقص من أجره جُزْآن من مجموع الأجر . وعلى كل الحال فالواجب على المسلم العاقل الموفق أن لا يجازف بحسناته فيخسرها من أجل كلب من الكلاب .
ثانياً : في إتخاذ الكلاب تشبه بالكفار وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (مَن تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم) رواه أبو دَاوُدَ وصححه الألباني .
قال العلّامة ابن باز رحمه الله في الموقع الرسمي : ( لا تجوز تربية الكلاب إلا لثلاث للصيد وحراسة الماشية، والحرث، كما قال النبي ﷺ: من اقتنى كلباً إلا كلب صيد، أو ماشية، أو زرع، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان؛ ولأن في تربية الكلاب وسيلة إلى نجاستها، و تقذيرها، وإيذاء للبيت بها. وقد أمر النبي ﷺ بغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، فالواجب البعد عنها، والسلامة منها إلا من احتاج إلى هذه في الصيد، أو للحرث، أو للماشية، لحراسة الغنم، أما تربيتها لغير ذلك تقليداً للنصارى وأشباههم، فهذا لا يجوز، نسأل الله السلامة) انتهى
وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى في "شرح رياض الصالحين" (4/241) : " وأما اتخاذ الكلب وكون الإنسان يقتنيه فإن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب، لأن الذي يقتني الكلب إلا ما استثني ينقص كل يوم من أجره قيراطان . . . ومن حكمة الله عز وجل أن الخبيثات للخبيثين , والخبيثون للخبيثات يقال : إن الكفار من اليهود والنصارى والشيوعيين في الشرق والغرب كل واحد له كلب - والعياذ بالله- يتخذه معه، وكل يوم ينظفه بالصابون والمنظفات الأخرى ! مع أنه لو نظفه بماء البحار كلها وصابون العالم كله ما طهر ! لأن نجاسته عينية، والنجاسة العينية لا تطهر إلا بتلفها وزوالها بالكلية) انتهى
ثالثاً : الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب . كما في حديث أبي طَلْحَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: (لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ) متفقٌ عليه.
قال النووي رحمه الله : " وَقَدْ اِتَّفَقَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم اِقْتِنَاء الْكَلْب لِغَيْرِ حَاجَة ، مِثْل أَنْ يَقْتَنِي كَلْبًا إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ ، أَوْ لِلْمُفَاخَرَةِ بِهِ ، فَهَذَا حَرَام بِلَا خِلَاف". انتهى من " شرح صحيح مسلم" (1/448).
رابعاً : من المفاسد إيذاء الجار وهذا من الكبائر ، إما بنباح الكلب أو اعتدائه أو بترويعه . وفِي الصحيحين عن أَبي هريرة : أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ)، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَه ) أي : شروره
خامساً : هذا لو اقتنى الكلب وقد حصل عليه بلا ثمن ، أما بيعه وشراؤه والمتاجرة به فحرام، وفِي تحريم ثمن الكلب أحاديث منها : ما رواه البخاري (1944) عن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ . وروى البخاري (2083) ومسلم (2930) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ )
وروى أبو داود (3021) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا ) قال الحافظ : إسناده صحيح . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال النووي في "شرح مسلم" :
" وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَكَوْنه مِنْ شَرّ الْكَسْب وَكَوْنه خَبِيثًا فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه , وَأَنَّهُ لا يَصِحّ بَيْعه , وَلا يَحِلّ ثَمَنه , وَلا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لا , وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَمْ لا , وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالأَوْزَاعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمْ
قال ابن قدامة في "المغني" :
" لا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ بَاطِلٌ , أَيَّ كَلْبٍ كَانَ)
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/36) :
" لا يجوز بيع الكلاب ، ولا يحل ثمنها ، سواء كانت كلاب حراسة أو صيد أو غير ذلك ، لما روى أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ) متفق على صحته . سادساً : ومن المفاسد في اتخاذ الكلاب ، إن الإنسان قد يعرف به ، فيقال فلان مربي الكلاب ، أو صاحب الكلاب الفلاني ، أو بيت فلان الذي فيه كلب ، وهذا يؤثر سمعة سيئة لصاحب الكلب وأهله بيته .
أفبعد هذا يسوغ لك أخي المسلم أن تتخذ كلباً في بيتك تصادقه وتلازمه ؟ والله المستعان ، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين