هل وقع الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في مصيدة الصهاينة ؟!
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد نشر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق -عفا الله عنه- بيانًا بعنوان: (هل تستطيع الشعوب الإسلامية التخلص من قهر جيوشها لها!؟).
وقال فيه: (منذ مئة وعشرين عامًا كتب حكماء صهيون ما سَمَّوه "برتوكولات").
أقول: كتاب برتوكولات حكماء صهيون عبارة عن وثيقة زعموا أنَّ الصهاينةَ كتبوا فيها خطتهم في السيطرة على العالم.
وفي الحقيقة أنَّ الناشرين لهذه الوثيقة هم الصهاينة أنفسُهم! وإنما نشروها لإضعاف المسلمين وزرعِ الوهم في نفوسهم، ولو كانت سرية ما نشروها، فكيف تستقيم السرية مع النشر؟! فوقوع أحدهما -النشرُ- ينقضُ الآخرَ -السريةُ- وهذا معلوم بالضرورة.
وللأسف أنَّ بعض النَّاس ينشرُها ويظنُّ أنه بذلك يفضحُ الصهاينةَ، وهو في الحقيقة يُقويهم ويضعفُ نفوسَ المسلمين، ونظيرُ ذلك كتابٌ اسمه (الأفعى اليهودية)، فإذا ذكروا شيئًا من برتوكولاتهم في هذين الكتابين فهذا لصالحهم لا لصالح المسلمين، فمن المؤسف أنَّ الشيخَ عبد الرحمن بن عبد الخالق وأمثاله يستدلون بعبارات من هذا الكتاب، وهذا في صالح الصهاينة لا ضدهم!
ولذلك قال في بيانه -غفر الله له-: (وهو مخططات من السيطرة على العالم وكان من بين هذه المخططات تسليط الجيوش على شعوبها لقهرها وإذلالها).
أقول: إذا قرأنا هذا الكلام من زواية أخرىٰ؛ أدركنا أنَّ الصهاينة هم الذين يسعون إلىٰ تحريضِ الشعوب علىٰ الجيوش حتىٰ يبقى المسلمون في اضطرابٍ وضعفٍ ويشتغلون بأنفسهم، وفي المقابل يقوى الصهاينة ويتفرغون لتطوير أنفسهم ويزدادون تمكينًا!
وللأسف إلى هذا دعا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق في بيانه، ومن المعلوم عقلاً وحسًا وواقعًا أن جيش كلِّ دولةٍ جزءٌ من الشعب، وكل عسكري فهو من الشعب قبل التحاقه بالعسكرية، وأسرته من الشعب كذلك، وإذا تقاعد رجع إمواطنًا مدنيًا بعد أن كان مواطنًا عسكريًا، وهو في الحالين لم يخرج من الشعب، إذن هذه الدعوة الصهيونية مرادهم فيها إثارة الفتنة بين الشعب.
فالجيش فئة من الشعب كالطلاب والعمال والأطباء والتجار، ومعلوم بالبداهة أن هذه الفئاتِ تكمل بعضُها بعضًا، بحيث يشكل فقدانُ أي واحدة منها خللًا كبيراً في تركيبة السكان، بل في المجريات كلها لأي بلد كان!
والشيخ عبد الرحمن -غفر له ولوالديه- في بيانه يدعو إلىٰ الفتنة شَعُرَ بهذا أو لم يشعر، وإن كان الأقربُ أنه يشعر بهذا لكنه ينتهج منهجًا ثوريًا منذ عقودٍ طويلة، وما زال يكرر هذه الدعوةَ المتمثلةَ بالمصادمة بين الشعب والجيش الذي هو جزء حيوي من الشعب؛ وإنما حرَّضَ الشعبَ على الجيش لأن عادةَ الجيش يأتمرُ بأمر الحاكم الذي يعتقد أنه (كافر طاغوت عميل للصهاينة)، لذلك قال في بيانه: (وقد عمل فروخهم على تنفيذ هذه المخططات)!
أقول: وقطعًا الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق يقصد بفروخ الصهاينة الرؤساءَ والرئيسَ المصري عبدالفتاح السيسي على وجه الخصوص، حتى أنه ذات ليلة كانت له محاضرة بعنوان: (مشابهة السيسي لفرعون)!! وكانت بتاريخ ٤/ ١١/ ٢٠١٣م
ثم يقول في بيانه: (وكان منها سيطرة الجيوش على جميع أراضي الوطن وامتلاكهِا وامتلاك كل مصادر الكسب من تجارة وصناعة ومقاولات).
أقول: ولا أعلم أنَّ الجيوش العربية للدول العربية والإسلامية تُشرف على المشاريع والمقاولات سوى الجيش المصري، وهو يريد قطعًا تحريضَ الشعب المصري علىٰ جيشه، أي القتال والتصادم بين الشعب المصري المدني ضدَّ الشعب المصري العسكري!
لذا قال صراحةً في بيانه: (هل سيظل حال الأمة على ما هو عليه حتىٰ خروجِ الدجال؟!).
أقول: ظاهر جدًا أنَّ الجوابَ عنده: (لا)، لا ننتظر ولن ننتظر حتى خروج الدجال.. إذن؛ هلمَّ أيها الشعب، تحركوا ضدَّ الجيش، ولو قتل منكم ألفَ ألفٍ -أي مليون-، كما صرح بذلك من قبلُ، وهذه فتنة عظيمة سبق أن جربوها في سوريا، فحرضوا الشعب على الجيش، وانقسم الجيش كما سمع وشهد بذلك العالم كله، وما زالت معاناة الشعب السوري حتىٰ يومنا هذا لم تنتهِ بعدُ!!
وكان للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وطلابه -هداهم الله- دور في التحريض بل والتسليحِ أيضًا، فانقسمَ الجيش إلىٰ فئتين بل إلى فئات، فهؤلاء مع جيش النظام، وأولئك مع الجيش الحر، ثم دخلت فرقٌ وطوائفُ وتنظيمات، ثم دخلت دول وحصلت الفتنة العظيمة التي ما زال يعاني منها الشعب السوري، فتشرد الملايين وقتل ما تجاوز المليون، وهتكت أعراض وذهبت ممتلكات وهدمت البيوت والمرافق العامة بل والمساجد، ومع هذه التجربة الأليمة الكارثية مازال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -هداه الله إلىٰ الحق- يدعو إلى مثل هذه الفتن نفسِها ويحرض الشعب المصري المدني الأعزل على الجيش القوي المسلح!!
يقول: (فهل سيظل حال الأمة على ما هو عليه حتى يخرج الدجال؟ وينزل المخلص المسيح ابن مريم؟).
يعني: هل ستظلون على هذه الحال إلى قبيل يوم القيامة؟ ويقصد بهذا الكلام: لا تنتظروا.. اخرجوا!!
ثم قال: (أم سيكون لله في الأمة شأن آخر؟ قد رأينا كيف غيرت مكالمة قصيرة من هاتف محمول مسار أمة بأكملها {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}).
قلت: لعله يشير إلىٰ مكالمة الرئيس التركي في محاولة الانقلاب، حيث تكلمَ بمكالمة وجهها للشعب فقاموا ضد الجيش.
سبحان الله.. يقولون: الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق شيخ السلفية في الكويت، وهذه طرفة تضحك منها الثكلىٰ!! لأننا ما سمعنا قط أنَّ مشايخَ السلفية وعلماءَها يسلكون هذا المنهج أبداً.
ما سمعنا الشيخ ابن باز إمام السلفيين في هذا العصر، ولا الشيخ الألباني، ولا الشيخ ابن عثيمين، ولا الشيخ مقبل الوادعي -رحمهم الله تعالىٰ-، ولا الشيخ عبد المحسن العباد ولا الشيخ صالح الفوزان-حفظهم الله تعالى-، ما سمعنا أحدًا من هؤلاء الأعلام حرَّضَ الشعبَ علىٰ الحاكم أو على الجيش.
نعم هذا الكلام مطابق تماماً لكلام الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور طارق السويدان والدكتور حاكم المطيري وأمثالهم الذين بلغوا -حسب زعمهم- خمسمئة عالم في عهد محمد مرسي واجتمعوا في مصر وأعلنوا الجهاد! فأين الجهاد الذي أعلنوه؟ ذهب مع أدراج الرياح!
سبحان الله متىٰ تتقي الله يا شيخ عبد الرحمن؟! فقد تقدم بك السن وتعاني من الأمراض، ومع ذلك ما زلت تثير الفتنة في المسلمين!
يا شيخ عبدالرحمن -عفا الله عنك- اليوم الشر كثير جداً، فهلا أشغلتَ نفسك بشيء سوىٰ إثارة الفتن؟! متىٰ آخرَ مرة تكلمت في التوحيد ونبذ الشرك من عبادة القبور والأولياء التي يغرق بها العالم الإسلامي اليوم؟ متىٰ ذَكَّرتَ المسلمين بالصلاة التي هي عمود الإسلام؟ متىٰ آخر مرة تكلمتَ عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن؟ لماذا لا تتكلم عن بر الوالدين وتحريم عقوقهم وتفكك الأسرة؟ لماذا لا تحذر من الربا والرشوة وأكل المال الحرام؟
اليوم نسمع أرقامًا مخيفةً من حالات المخدرات والمسكرات، وأعدادًا مخيفةً من أبناء السفاح بسبب الزنا والفواحش، اليوم المنكرات أشكال وألوان في جميع ميادين الحياة!
يا شيخ عبد الرحمن.. أما وجدتَ معروفًا قَصَّرَ الناسُ به فتأمر به؟ ولا منكرًا انغمس الناس فيه فتنهىٰ عنه؟ ما وجدت سوى تحريضِ الشعوبِ على الجيوش؟!
اتقِ الله ربك، وتذكر أنَّ الأعمال بالخواتيم، اختم لنفسك بعمل صالح، عَلِّم الناسَ التوحيد والسنة ونبذ الشرك والبدع، علمهم البر والتقوى، ذكرهم بقول الله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}.
اليوم انتشر بين الناس الإلحاد والسحر والشعوذة والعلاج بالطاقة، وكثير من مسائل الجاهلية بثوب جديد.
يا شيخ عبد الرحمن.. عَلِّم الناس كيف يشكرون الله تعالى، فقد انتشر جحود النعمة والتبطر عليها! علمهم الفضيلة والآداب، فقد انتشر الانحلال وانحدرت القيم!!
يا شيخ عبد الرحمن.. لو جلستَ تُعلم الناسَ أحكامَ الطهارة التي ذُكرت في القرآن والسنة -وهي من أحكامِ دين الله عز وجل- لكان خيرًا لك ولهم .
لو علمتَ الناسَ الأذكار والفضائل والمحافظة على صلاة الجماعة، وبذلَ المعروف والصبرَ علىٰ الأذى؛ لكان خيرًا لك ولهم.
كم وكم وكم من المسائل التي تحتاجها الأمة وقد غفلوا عنها؟
أما تحريضُ الناس بعضَهم علىٰ بعض والتحريش بينهم؛ فهذا من عمل الشيطان، فإنك بهذه الدعوة ستخذل الأمة وتخدم الصهاينة بالدرجة الأولىٰ، فالصهاينة نصبوا لك هذا الفخ وأنت وقعتَ فيه، وذلك لما قالوا: الجيوش تضطهد الشعوب. وفي بيانك تكرر وتقرر كلامهم لتحقق أمنيةً لهم زرعوها في نفوس كثير من الناس؛ ألا وهي تحريضُ الشعوب علىٰ الجيوش.
وهلا سألتَ نفسك: هل دعوتك هذه ستحقق نتائج إيجابية؟
كلا -والذي لا إله إلا هو-، بل هذه دعوة شيطانية صهيونية تفسد ولا تصلح، والتاريخ أمامك قد امتلأ بالشواهد، سوريا وليبيا اليمن وغيرها، لمن تدبر واعتبر!!
أسأل الله تعالىٰ أن يهدينا والشيخَ عبد الرحمن عبد الخالق هدايةً يشرح بها صدورنا للحق، وأن يمن علينا جميعًا بالتوبة النصوح قبل الممات.
والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلىٰ الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.