تنبيه المسلمين على أن الإيمان بالأبراج كفر برب العالمين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
فإن الله تعالى وحده عالم الغيب والشهادة
أطلع عباده على قليل ، وأخفى عنهم الكثير
واستأثر لنفسه علم الغيب قال تعالى :
(قل لا يعلم من في السموات
والأرضِ الغيبَ إلا الله
وما يشعرون أيان يُبعثون)
سورة النمل (٦٥)
فلا يعلم الغيب الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون ولا الأولياء الصالحون ولا إنس ولا جان ولا برج ولا كوكب ولا شمس ولا قمر ، وهذا ما يجب أن يؤمن به كل مسلم ومن زعم أنه يعلم الغيب أو صدق غيره في ذلك فقد كفر برب العالمين لأنه مكذب لله ولرسوله . فإياكَ أخي المسلم وإياكِ أختي المسلمة أن يخدعكم أحد فيقول أنه يعلم الغيب أو سيحدث لكم غداً كذا وكذا فهذا كله من الباطل وحتى لو وقع شيء مما أخبر به الدجالون والكهان والعرافون فالواجب أن لا يزحزح ذلك عقيدتك بأن الله تعالى وحده عالم الغيب .
وقد أمر الله تعالى نوحاً عليه السلام وهو أول رسول أن يقول (وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) سورة هود (٣١) وأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين أن يقول (ولا أعلم الغيب )(سورة الأنعام(٥٠) وأمره أن يقول: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنونَ) [الأعراف: ١٨٨] ولكن الله تعالى قد يطلع بعض رسله خاصة على شيء من الغيب كما في قوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول )( سورة الجن ) ويزعم الكهان والعرافون والدجالون في كل زمان ومكان بأنهم يعلمون الغيب وقد بان أمرهم وافتضح شرهم غير أن في هذه الزمن يظهر من يدعو إلى التصديق بل والتعلق بما يسمى بالأبراج وهذا في الحقيقة ليس بجديد ولكن تم تجديده بصورة حديثة وإلا فهو التنجيم وهو نوع من أنواع ادعاء معرفة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى . وفي قراءة الأبراج وتصديقها مفاسد كثيرة : أولاً : الكفر بالله تعالى لما في ذلك من التكذيب لله ورسوله وهذه المفسدة هي أشد المفاسد على الإطلاق لأن ليس بعد الكفر ذنب، ولان خسارة الدين هي اعظم خسارة . ثانياً : عدم قبول الصلاة لأن فيه نوعاً من الكهانة والعرافة والمسلم لا يجوز له أن يأتي العرافين، أو يستمع إليهم، ولو لم يصدقهم فيما يدعونه من علم الغيب ؛ لما روى مسلم (2230) عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) . أما من صدقهم بما يقولون ، فهذا قد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . روى الإمام أحمد (9536) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5939) .
قال النووي رحمه الله : " قال العلماء : إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مُغَيَّبات قد يصادف بعضها الإصابة ، فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ، لأنهم يلبسون على الناس كثيراً من أمر الشرائع ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم 📚" شرح النووي " (5/22) .
ثالثا ً: فيه نوع من التنجيم : وهو ربط الحوادث الأرضية بالنجوم، والاستدلال على ما يحدث فيها بالأحوال الفلكية وهذا شرك في الربوبية فالخالق المالك المدبر هو الله تعالى وحده وهو تعالى وحده الذي يملك النفع والضر وما يسمونه " أبراج الحظ " وأن المولود في البرج الفلاني سيكون سعيداً ، والمولود في البرج الفلاني سيكون شقياً ، وما يذكرونه من اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم حسب اختلاف أبراجهم فهذا كله من الباطل ومن الرجم بالغيب . قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله معلقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبةً من السحر، زاد ما زاد ) : " المراد به هنا علم النجوم الذي يستدل به على الحوادث الأرضية ; فيستدل مثلاً باقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني على أنه سيحدث كذا وكذا ، ويستدل بولادة إنسان في هذا النجم على أنه سيكون سعيداً ، وفي النجم الآخر على أنه سيكون شقياً ; فيستدلون باختلاف أحوال النجوم على اختلاف الحوادث الأرضية ، والحوادث الأرضية من عند الله ، قد تكون أسبابها معلومة لنا ، وقد تكون مجهولة ، لكن ليس للنجوم بها علاقة " 📚القول المفيد " (1/519) . وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (27/203) : " أبراج الحظ يحرم نشرها والنظر فيها وترويجها بين الناس ، ولا يجوز تصديقهم ، بل هو من شعب الكفر والقدح في التوحيد ، والواجب الحذر من ذلك، والتواصي بتركه ، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، والتوكل عليه في كل الأمور " رابعاً : الوهن والضعف وترك الأسباب المشروعة فقد يظن الناظر في الإبراج أنه لن يوفق ولن ينجح فيكون هذا الإعتقاد سبباً لفشله وفوات الخير ، فقد يفوت المرأة الخاطب الكفؤ وقد يفوت الرجل المرأة الصالحة وذلك بالإعراض عن القدوم للزواج لمجرد الوهم الذي أحدثه تعلقه بالأبراج . خامساً : ضعف التوكل على الله تعالى وترك الالتجاء إليه واستخارته فيفوت العبد الخير كله . سادساً : والإيمان بالأبراج يصد المسلم عن صلاة الإستخارة التي علمنا إلياه النبي ﷺ في كل أمورنا . وحديثها في صحيح البخاري
سابعاً : في التعلق بالأبراج ترك للتوكل على الله وتفويض الأمر إليه تعالى والله تعالى يقول : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) سورة التوبة(٥١) وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚوَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ثامناً : في التعلق بالإبراج حب وبغض ليس في الله ولا لله ، فقد يحب بعض ضعاف الدين والعقل فلاناً لأنه من البرج الفلاني وقد يبغض ويعادي فلاناً لأنه من البرج الفلاني . تاسعاً : ومن مفاسد الاشتغال بقراءة الأبراج تضييع الوقت في شيء محرم ولا يملك ضراً ولا نفعاً ، ولو اشتغل المسلم في ما ينفعه في دينه ودنياه لكان خيراً له . هذا ما أردت أن أذكر به نفسي والمسلمين . والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين