أيها الليبراليون وأنتم أيها الحزبيون التكفيريون ويا أيها الباطنيون أقول لكم جميعاً : {موتوا بغيظكم}
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الوعي -والحمد لله - قد انتشر بين المسلمين أكثر من ذي قبل، وقد عَرَفَ القاصي والداني أصلاً من أصول الدين كاد أن يختفي من عقيدة المسلمين، ألا وهو: السمع والطاعة بالمعروف لمن ولّاه اللّهُ أمرنا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سورة النساء (٥٩)].
وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء (٨٣)].
وأما في السنة من الأحاديث النبوية ففيها الكثير المتعلق بهذه المسألة ومنها:
قال التابعي جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ -رحمه الله تعالى-: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ الله؛ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ الله فِيهِ بُرْهَانٌ» متفق عليه.
وعن ابن عمر -رضي اللَّهُ عنهما- عَن النبي ﷺ قال: «عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكِرَهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِر بِمعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلا طاعَةَ» متفقٌ عليه.
وعَن أنَسٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسُولُ الله ﷺ: «اسْمَعُوا وأطيعوا، وإنِ اسْتُعْمِل علَيْكُمْ عبْدٌ حبشىٌّ، كَأَنَّ رَأْسهُ زَبِيبَةٌ» رواه البخاري .
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كُنَّا إذا بايَعْنَا رسُولَ الله ﷺ عَلى السَّمْعِ والطَّاعةِ يقُولُ لَنَا : «فيما اسْتَطَعْتُمْ» متفقٌ عليه.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وقد نصت على أمور منها:
الأول: البيعة. الثاني: السمع والطاعة لولي الأمر. الثالث: تقييد الطاعة بالمعروف وليست على إطلاقها، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الرابع: ثبوت حق الطاعة لولي الأمر ولو كان ظالماً أو مقصراً أو مستأثراً. الخامس: تحريم الخروج عليه إلا إذا رأينا منه الكفر البواح وهو الكفر الأكبر. السادس: تحريم منازعته على الحكم. وغير ذلك.
فإن قال قائل: ما الثمرات التي ترتجى من البيعة والسمع والطاعة التي يجهلها أو يغفل عنها كثير من الناس؟
فالجواب: الثمرات كثيرة منها:
أولاً: تحقيق طاعة الله ورسوله، والخير والبركة والسعادة والهداية والفلاح كلُّه في طاعة اللّهُ ورسوله قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الاحزاب (٧١)].
وطاعة الأمير طاعةٌ لله ولرسوله،لحديث أبي هريرة -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسُولُ الله ﷺ: «مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» متفقٌ عليه.
ولقد سمعت شيخنا ابنَ عثيمين -رحمه الله تعالى- مراراً يقول: (أتظنون أن طاعة ولي الأمر هي طاعة بشر لبشر ؟ لا ، وإنما هي طاعة لله تعالى، لأن الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ) انتهى كلامه.
وهذه الفائدة اللطيفة قلما يتنبه لها الناس، لذلك يستثقلون طاعة ولي الأمر ويستنكرون على من يأمرهم بذلك، ولو تنبهوا لها واحتسبوا الأجر لهانت عليهم طاعة ولي الأمر وأعانهم الله تعالى على ذلك.
وكثير من الناس يطيع الحاكم ولا قدرة له على مخالفته، وهو لا يعتقد وجوب طاعته بل ولا مشروعية ذلك، فيفوت على نفسه الأجر والثواب، وأسوء من ذلك الذي يقنع الناس بالطاعة خوفاً على الدنيا فحسب، فيقول: يطاع سيادة وليس طاعة!! نعوذ بالله من الخذلان.
ثانياً: النجاة والسلامة من معصية اللّه ورسوله، إذ الخيبة والخسران والضلال كله في معصية الله ورسوله، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [سورة الاحزاب (٣٦)].
ثالثاً: تجنباً للنزاع والفشل قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} [سورة الانفال (٤٦)]
وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة آل عمران (١٠٥)]. وهذا معلوم وملموس بل ومتحقق، وحتى على مستوى الأسرة؛ فمتى ما حدث التمرد والتفكك غالباً ما يعقبه الضياع والدمار، فكيف سيكون حالنا لو تفككت الدولة وتمرد الناس على ولي أمرهم ؟
رابعاً: تفويت الفرصة على المتربصين والطامعين الذين سرعان ما يتدخلون في البلاد التي لا حاكم فيها مطاع ، والواقع أكبر شاهد. خامساً: في بيعة الإمام نجاة من ميتة جاهلية، فقد كان الرجل يموت في الجاهلية على غير بيعة، وهكذا الحال لو مات المسلم من غير اعتقاد بيعة حاكمه.
والدليل حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: «مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِيَ الله يوْم القيامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً» رواه مسلم.
سادساً: الأجر العظيم الذي يناله المسلم إذا صبر واحتسب على جور الحاكم واستئثاره. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هُنَيْدةَ وائِلِ بن حُجْرٍ -رضي الله عنه- قالَ: سأل سَلَمةُ بنُ يزيدَ الجُعْفيُّ رَسُولَ الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم- فقالَ: يا نبي الله، أرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ علَيْنَا أُمراءُ يَسأَلُونَا حقَّهُمْ، ويمْنَعُونَا حقَّنا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرضَ عنه، ثُمَّ سألَهُ، فَقَال رَسُولُ الله ﷺ: «اسْمَعُوا وأطِيعُوا، فَإنَّما علَيْهِمْ ماحُمِّلُوا وعلَيْكُم ما حُمِّلْتُمْ». وَعَنْ عَبْدِ الله بن مسْعُودٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسُولُ الله ﷺ: «إنَّهَا ستَكُونُ بعْدِي أَثَرَةٌ، وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قالوا: يا رسُولَ الله، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْركَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ الله الذي لَكُمْ» متفقٌ عليه.
وإني أدعو كل طالب علم سني أن يثبت على هذه العقيدة ولا يلتفت إلى أي مخالف ولا يعتبر له اعتباراً ولا يحسب له حساباً
وأختم وأقول:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لقد انتشر الوعي وعرف كثير من الناس هذا الأصل الذي هو من أصول عقيدة المسلمين عقيدة أهل السنة والجماعة، وخاب وخسر كل ليبرالي رافضاً لأحكام الإسلام جملة وتفصيلاً إلا ما وافق هواه، ويريد أن يجعل الحكم المطلق للدستور ولو خالف الشرع، وخاب وخسر كل حزبي بيعته وطاعته المطلقة للمرشد العام، وخاب وخسر كل تكفيري حاقد متبع لهواه، وخاب وخسر كل باطني بيعته وطاعته المطلقة للمرشد الأعلى وأقول لهؤلاء جميعاً (موتوا بغيظكم) .
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.