أمر خطير للغاية ‼️ قول بعض الناس: "فلان هو ولي أمرنا "
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد فلقد قرر العلماء الأصوليون أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ومعنى هذا الكلام العلمي الذي قد لا يفهمه كثير من الناس ، أن أي مسألة شرعية لا يمكن معرفة حكمها الشرعي إلا بعد معرفة صورتها ، وقد يكون لها أكثر من صورة أو حالة ومعرفة صورة المسألة هي بمثابة تشخيص الطبيب للمريض أو تشخيص المهندس للآلة . فمتى ما عرف الطبيب حالة المريض استطاع علاجه بالدواء المناسب ومتى ما عرف المهندس علة الآلة استطاع تصليحها بما يناسبها وهكذا علماء الشريعة يتصورون المسألة ثم يصدرون الحكم المناسب لها والمسألة التي بين أيدينا هي حكم مقاطعة المنتجات الفرنسية بسبب الإساءة التي صدرت مؤخراً من الرئيس الفرنسي الصليبي الكافر في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل وإليه أنيب : المقاطعة لها ثلاث حالات : الحالة الأولى : أن يقاطع الرجل بنفسه وهذه جائزة وقد يؤجر بنيته، فمن شاء فليقاطع ومن شاء فلا يقاطع فهو مخير بين المقاطعة وعدمها وهذه لا تحتاج إذناً من ولي الأمر أو غيره، وإنما يمتنع بنفسه عن الشراء . الحالة الثانية : المقاطعة الجماعية وهذه جائزة أيضاً لكن بإذن ولي الأمر ، فقد يرى ولي الأمر في المقاطعة مصلحةً أو درأَ مفسدةٍ فيأمر بالمقاطعة، وليس في هذا تحريم اما أباح الله تعالى كما يظن بعض الناس، وإنما هذا من السياسة الشرعية فيأمر ولي الأمر بما يراه مناسباً . قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (83) سورة النساء
وممن قال بجوازها بهذا القيد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان والشيخ عبدالمحسن العباد، وكلامهما معلوم ومشهور، وقد صدرت فتوى قديمة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم(21776) وتاريخ 25/12/1421 هـ وهذا نصها . السؤال: يتردد الآن دعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية مثل بيترا هت وماكونالدز… إلخ فهل نستجيب لهذه الدعوات وهل معاملات البيع والشراء مع الكفار في دار الحرب جائزة؟ أم أنها جائزة مع المعاهدين والذميين والمستأمنين في بلادنا فقط؟
الجواب: يجوز شراء البضائع المباحة أيا كان مصدرها ما لم يأمر ولي الأمر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الإسلام والمسلمين لأن الأصل في البيع والشراء الحل كما قال تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) (275) سورة البقرة والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود) انتهى
الحالة الثالثة : المقاطعة العامة بغير إذن ولي الأمر، فهذه لا يجوز تعميمها على الناس وإلزامهم بها وليس لغير ولي الأمر الحق في ذلك ، وأشد حرمة من ذلك اتهام من لم يقاطع بالتخاذل وعدم الغيرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحكم عليه بالكفر أو النفاق أو الفسق أو لعن وتقبيح من لم يقاطع، أو اتهامه بأنه يفضل الكافر الصليبي الفرنسي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا كله حرام بل من الكبائر، والله تعالى قطعاً سيحاسب كل عبدٍ على ما تلفظ به، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وقد يكتب العبد كلمة أو يقول كلمة فينساها ولكن (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) سورة طه، وقال تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) سورة المجادلة
وللأسف نحن نتكلم عن الحالة الثالثة وبعض الناس يورد أقوال بعض العلماء في الحالتين الأولى والثانية ويستدل بأقوالهم على الحالة الثالثة، وكل منْ ذكروا قوله من العلماء لم يقل تجب مطالبة الناس بالمقاطعة والتشديد عليهم من غير إذن أولي الأمر، حتى الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى الذي استدلوا بكلامه إنما وجه كلامه للملوك، فقد قال بالحرف الواحد : (فجهاد الأعداء بالمقاطعة التامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات، ولملوك المسلمين ورؤسائهم ولله الحمد) انتهى
وهذا الهجوم والإعتداء له أسبابه فقد يكون لعدم الفقه أو لضعف في الفهم أو لجهل بسيط أو لجهل مركب أو يتعمد بعضهم الإساءة والاعتداء لبغض في قلبه أو لهوى متبع أو عاطفة غير منضبطة أو مقاصد حزبية أو لأسباب اخرى الله اعلم بها . لكن والله اعلم أن من اكبر الأسباب هو تكفيرهم لولاة الأمر ولذلك ما أن يذكر أحدٌ حكماً شرعياً يتعلق بولي الأمر إلا وثارت ثائرة بعض الناس!! نعم هذه هي الحقيقة هؤلاء لا يعتقدون أن حكامنا ولاة أمر شرعيون ولا يعتقدون أن لهم بيعة في اعناق الرعية وأن لهم السمع والطاعة بالمعروف . ولذلك تجدهم يقولون آراءهم بحرية مطلقة، بينما يحجرون على غيرهم أن يقول شطر كلمة، ويمارسون الإرهاب النفسي ضد من خالفهم، ظانين أنهم يرهبون من يخالفهم لكن أنى لهم ذلك . فليت شعري لماذا كل هذه الزوبعة والضجة الصاخبة ؟! فمن الإنصاف كما قلت رأيك في المقاطعة أن يتسع صدرك لغيرك فتسمع رأيه، فإن وجدته مخالفاً للأدلة فلك أن ترد عليه بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وإذا كان قوله مطابقاً لكلام العلماء بل ونقله عنهم، تأكد التريثُ في حقك ولا تتعجل ففي العجلة الزلل .
ومن أخطر ما قرأت في المدة القريبة التي مضت أن بعضهم قال بلسان مقاله: إذا كانت المقاطعة العامة لا تجوز إلا بإذن ولي الأمر فولي أمرنا أوردغان وهو الذي أمرنا بالمقاطعة !! وللأسف كثير من هؤلاء يكفرون ولاتنا ومنهم لا يكفرهم لكن لا يعتبرهم شرعيين ،فالحاكم الشرعي أوردغان فحسب ولو لم يكونوا تحت ولايته . فأقول : سبحان الله كيف اعتبرتم أوردغان ولياً لأمركم وأنتم لستم تحت ولايته ؟ وبماذا تميز أوردغان عن حكامنا ؟ وهل أوردغان يحكم بالشريعة لكي يقدم على ولاة أمورنا ؟ لكنها الحزبية وما أدراك ما الحزبية ؟ والله المستعان والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.