(١) سلسلة نصيحة المغرورة بهم من الإباضية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد فهذه سلسلة مقالات كتبتها نصيحة لعوام الإباضية الذين قد غرر بهم كبراؤهم فشذوا بهم عن أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-
يقول أحد المغرر به من الإباضية :
عصاة المسلمين أهل الكبائر
هل هم من أصحاب اليمين ،
أو من أصحاب الشمال ؟
وهل يأخذ أحدهم كتابه
باليمين أو بالشمال ؟
هل يحاسبون حساباً يسيراً أو حساباً عسيراً ؟
هل هم ممن تبيضّ وجوههم أو ممن تسودّ وجوههم ؟
وهل هم ممن ثقلت موازينهم أو ممن خفت موازينهم ؟
والجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، فقد قال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) (سورة التغابن) والناس في الدنيا ويوم القيامة قسمان لا ثالث لهم فريق في الجنة وهم المسلمون المؤمنون وفريق في النار وهم الكفار والمنافقون والعاصي مسلم مؤمن موحد ولا شك أنه من أهل اليمين ، ويأخذ كتابه بيمينه، ويحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، وهو ممن يبيض وجهه، وتثقل موازينه، كل ذلك بسبب إسلامه وإيمانه وتوحيده، ولو كان عاصياً أو مقصراً، فالمؤمنون درجات، منهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، واقرأ إن شئت قوله تعالى في كتابه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) (سورة فاطر) وكلهم مآلهم إلى الجنة ومنهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب ومنهم من يحاسب ويدخل الجنة ومنهم من يعذب إلى ما شاء الله تعالى ثم يدخل الجنة برحمة اللّه تعالى وفضله . وأما الكافر فهو من أصحاب الشمال ويأخذ كتابه بشماله ، اقرأ إن شئت قول الله تعالى(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) (سورة الحاقة) فتدبر قوله تعالى : (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) فهذا الذي لا يؤمن بالله العظيم، قطعاً هو الكافر وأما المسلم المؤمن - ولو كان عاصياً- يؤمن بالله العظيم . والكافر هو الذي يحاسب حساباً عسيراً، كما في قول الله تعالى :(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا (١٢) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) (سورة الانشقاق) ومعنى (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي : اعتقد أنه لن يرجع إلى الله تعالى للحساب، وهذا هو الكافر ، وأما المؤمن الموحد -ولو كان عاصياً- فيؤمن بأنه سيحور أي : يرجع إلى ربه. وكذلك الذين تسودّ وجوههم، فإنما تسودّ بسبب كفرهم ، وتدبّر قول الله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) (سورة آل عمران) أرأيت ماذا يقال للذين اسودّت وجوههم؟ يقال لهم : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) وأما المسلم المؤمن -ولو كان عاصياً- قطعاً لا يكفر بعد إيمانه
فلا يجوز أن ننزل الآيات التي أنزلها الله تعالى في الكفار على عصاة المؤمنين، كما فعلت الخوارج والإباضية، لذا حكموا على مَن يسمع الأغاني أو يحلق لحيته أو حتى الذي يقصّها كافراً بالله أو قد كَفَرَ كُفَر نعمة وهو بزعمهم مخلد في النار مسود الوجه ووو الخ . وهم بهذا الإعتقاد كفَّروا حتى بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم . إذن فرق كبير بين الكافر بالله ، والعاصي بفعل محرم ، أو ترك واجب، ولو كل واحد يقصّر في طاعة أو يرتكب معصية يدخل النار ولا يخرج منها ؛لما دخل الجنة إلا الرسل والأنبياء، نعم المؤمن الكامل في إيمانه يدخل الجنة ابتداءً ومآلاً ، وأما المؤمن المقصر أو المذنب أو العاصي فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء الله تعالى عذبّه ابتداءً ثم أدخله الجنة مآلاً ، وإن شاء تفضّل عليه، وعفا عنه ، وأدخله الجنة ابتداءً ومآلاً . لقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(116) (سورة النساء)
وأما الكافر المشرك ، فيدخل النار إبتداءً ومآلاً هذه عقيدة المسلمين ، أما عقيدة الخوارج والمعتزلة والإباضية فيقولون : المسلم المؤمن العاصي بمعصية واحدة كالغيبة أو حلق اللحية إذا مات على معصيته فهو مخلد في النار كالكافر الأصلي، وهذا باطل ،إذ جعلوا المسلمين كالمجرمين، وكل ذلك بسبب فهمهم السقيم للقرآن وعدم تدبرهم للآيات التي نزلت في الكفار، التي جعلوها في عصاة المسلمين وإذا دعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ، رأيتهم يصدّون صدوداً . فالإباضي مثلاً إذا عرضّتَ عليه الأحاديث الكثيرة من الصحيحين وغيرها ، تجده إما يكفر بها أو يكذّبها أو يشكّ فيها، فيقول هذه ليست قطعية !! وأذكرُ أنني أرسلتُ لأحد الإباضية حديثين: الأول: ما اخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ شَعِيرَةٍ مِن خَيْرٍ، ويَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ بُرَّةٍ مِن خَيْرٍ، ويَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ ذَرَّةٍ مِن خَيْرٍ. وقال : قال أبان: حدثنا قتادة حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (من إيمان) مكان من (خير) والثاني : وما رواه مسلمٌ في صحيحه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حمَمًا قَدْ امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوْ الْحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السّيل ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَة )
وأذكر أن الإباضي رَدَّ الحديثين بقوله :( هذه أحاديث يهودية مكذوبة على الرسول.... ثم قال:هات النص القطعي) انتهى كلامه الأثيم ألم أقل أن الإباضية إما يكفرون بالأحاديث ، وإما يكذبونها ،وأما يشكّكون بها؟ فائدة: المسلمون يؤمنون بالكتاب والسنة ، وتثبت عقيدتهم بنصوص القرآن الكريم وبالأحاديث الصحيحية والحسنة، خلافاً لغير المسلمين الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وأهل البدع والأهواء فيهم شبه كبير بأولئك ، فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، ويحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ويؤمنون ببعض الأحاديث ، ويكفرون بأكثرها . فالمسلم الذي يؤمن بالكتاب والسنة يسأل عن الدليل من الكتاب والسنة ، وليس من الكتاب ، دون السنة . ولذلك صعب جداً أن يقتنع المبتدع بالدليل ، بل لا يمكن إقناعه إلا أن يشاء الله تعالى، فمثله كمثل من يقول : اثبت لي حقيقة الإسراء والمعراج ولا أريد دليلاً من الكتاب ولا من السنة !!
ولذلك لما ذكرتُ لأحد الإباضية الآيات من القرآن : أن الذي يأخذ كتابه بشماله هو الكافر الذي لا يؤمن بالله العظيم، وهذا ظاهر جداً جداً ، وأن المسلم ولو كان عاصياً يأخذ كتابه بيمينه، وذكرت له حديثاً صحيحاً في البخاري ومسلم أنّ من الموحدين من يدخل النار ثم يخرج منها إلى الجنة، فكذّب بالحديث ، ولم يقتنع بالآية !! سبحان الله (فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) (سورة النساء)
فانصحك أيها الإباضي أن تترك التعصب الأعمى، وعليك باتّباع الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة ، وأكثرْ من سؤالِ الله تعالى الهداية والتوفيق والسداد . والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين