(٧) سلسلة نصيحة المغرر بهم من الإباضية
الحمد لله رب العالمين
ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
فهذه سلسلة مقالات كتبتها نصيحة لعوام الإباضية الذين قد غرر بهم كبراؤهم فشذوا بهم عن أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-
فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل ،
وإليه أنيب :
لقد غرر كبراء الإباضية أتباعهم وزعموا أن من مات على معصية فهو مخلد في نار جهم أبد الآبدين كما يخلد الكافر والمشرك والملحد والجاحد للقرآن والسنة والمكذب لله ورسوله وقاتل الأنبياء ومن قال أنا ربكم الأعلى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله وسبّاب الله ورسله وغيرهم ممن هم في طبقتهم ‼️
بل قالوا لو مات من أصر على قصّ لحيته فهو مخلد في نار جهنم ‼️
ولاشك أن هذه عقيدة من أفسد العقائد مخالفة للكتاب والسنة وبذلك شذوا على جميع المسلمين إلا من كان على شاكلتهم من الخوارج والمعتزلة .
ثم اعلم أيها الإباضي المغرر بك أن كبراءهم ليزيدوا عليكم في التلبيس والتدليس والخداع والخيانة استدلوا بآيات من القرآن وزعموا أنها تدل على ما ذهبوا إليه في عقيدتهم الباطلة ، كقوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) سورة الجن وقوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (14) سورة النساء
وغيرها من الآيات والأحاديث، وهذه الآيات حق لا ريب فيها، لكن من المعلوم ضرورة أن القرآن لا يمكن أن يتناقض أو يعارض بعضه بعضاً ، قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82) سورة النساء
فالفساد والضلال والانحراف جاء من قِبَلِ فهمهم للقرآن وعدم تدبرهم لآياته فكيف إذا اجتمع مع ذلك التعصب والتقليد الأعمى والرغبة في السلطة الدينية على العامة؟ لذلك تجد كبراءهم يؤمنون ببعض القرآن ويكفرون ببعض
أو يعرضون عن آيات كثيرة من القرآن كأنهم لا يعلمون، كما وصف الله تعالى علماء اليهود فقال : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (85) سورة البقرة
وأما أهل الإيمان الراسخون في العلم فهم كما وصفهم الله تعالى في كتابه فقال:
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
(7) سورة ال عمران
فهم يأخذون بنصوص الكتاب والسنة بقوة ويفهمون معناهما الصحيح على مراد الله ورسوله ، الذي لا يعارض بعضه بعضاً
ولا يناقض بعضه بعضاً .
وإليك أيها الإباضي المغرر بك البيان من غير نقصان على قدر الإمكان
إن شاء الرحمن
فأقول وبالله أستعين إن قوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) سورة الجن ، وقوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (14) سورة النساء ، وغيرها من الآيات وما في معناها من الأحاديث، ليس المراد منها على إطلاقها حتى يقال
لا يغفر ولن يعفو عن أحد من عباده العصاة أبداً ، لأن نصوص الكتاب والسنة الكثيرة جداً دلت بمنطوقها ومفهومها أن الله تعالى يمكن أن يغفر ويعفو ويرحم من شاء من عباده العصاة وإليك بيان ذلك بالأدلة الواضحة القاطعة من الكتاب
والسنة .
أولاً : التوبة النصوح وهذا بالإجماع
أن من تاب إلى الله تعالى فإن الله تعالى يتوب عليه كما قال تعالى :
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
(٧٠) سورة الفرقان
وقال تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) سورة الشورى
ثانياً : اجتناب الكبائر كالشرك والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها وأكل الربا وغير ذلك كما قال تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (31) سورة النساء
ثالثاً : الحسنات التي يذهبن السيئات، فقد يكون عند المسلم من المعاصي والكبائر قد أصرَّ عليها لكن قد يوفقه الله تعالى لأعمال صالحة وحسنات مباركة كالصلاة والصيام والصدقة والبر والصلة وغيرها مما يذهب الله تعالى بها عنه سيئاته
حتى ولو لم يتب منها
قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)
(114) سورة هود
وفي الحديث الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ.)
أخرجه البخاري في صحيحه(3467)
رابعاً : المصائب والبلايا التي تصيب المسلم إذا صبر واحتسب يكفر الله بها
من الذنوب والسيئات ما لا يعلمه إلا الله تعالى وحده قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (١٥٧) سورة البقرة
وقال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر
وروى البخاري في صحيحه (5641) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :(ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.)
خامساً : دعاء المؤمنين بعضهم لبعض واستغفارهم لإخوانهم يكفر الله به الذنوب والخطايا ويعفو به عن من شاء من عباده العصاة قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) سورة الحشر،
ولذلك شرع الله تعالى لعباده صلاة الجنازة ليستغفر بعضهم لبعض .
سادساً : استغفار الملائكة لأهل الأرض وهذا يشمل عصاة المسلمين
إذ لم يستثنِ الله تعالى أحداً قال تعالى:
(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) سورة الشورى
سابعاً : شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فإن قوله تعالى في آية الكرسي (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (255) سورة البقرة، يدل على إثبات الشفاعة بإذن الله تعالى فإذا قَبِلَ الله تعالى شفاعة شافع في عاصٍ موحدٍ فما المانع أن يعفو الله تعالى عنه، ولو لم يتب من معصيته ؟ ثامناً : العذاب الأدنى يغفر الله تعالى به لمن شاء من العصاة قبل أن يدخلوا النار ولو استحقوها وهذا يشمل العذاب الدنيوي كالحدود والمصائب ويشمل أهوال يوم القيامة قال تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (21) سورة السجدة
تاسعاً: عذاب القبر وهو ثابت في الكتاب والسنة في أحاديث كثيرة صحيحة، ولا عبرة لمن أنكره من المعتزلة وغيرهم، فقد رواى البخاري في صحيحه (216) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَائِطٍ مِن حِيطَانِ المَدِينَةِ، أوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ ثُمَّ قالَ: بَلَى، كانَ أحَدُهُما لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، وكانَ الآخَرُ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ دَعَا بجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ علَى كُلِّ قَبْرٍ منهما كِسْرَةً، فقِيلَ له: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما ما لَمْ تَيْبَسَا أوْ: إلى أنْ يَيْبَسَا.)
عاشراً : وهو أعظمها بل كل ما تقدم فهو من آثاره ألا وهو رحمة أرحم الراحمين وعفو العفو الكريم ومغفرة خير الغافرين قال تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (14) سورة الفتح وقال تعالى :(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ)(21) سورةالعنكبوت فإذا أراد الله تعالى أن يغفر أو يرحم أو يعفو عن من مات على معصيته فمن ذا الذي يمنعه من ذلك ؟ أفلا تعقلون أيها الإباضية ؟ تابعوني في مقال قادم إن شاء الله تعالى والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين