موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

(٩) سلسلة نصيحة المغرر بهم من الإباضية

25 رجب 1442 |

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فهذه سلسلة مقالات كتبتها نصيحة لعوام الإباضية الذين قد غرر بهم كبراؤهم فشذوا بهم عن أمة محمد-صلى الله عليه وسلم- فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل ، وإليه أنيب : لقد غرر كبراء الإباضية بأتباعهم فزعموا زوراً وبهتاناً أن كثيراً من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مكذوبة عليه أو أنها من أحاديث اليهود ولو كانت في الصحيحين البخاري ومسلم أو أحدهما، وردّهم لهذه الأحاديث ليس على أساس علمي على ما تقتضيه الصناعة الحديثية التي سار عليها علماء الأمة من المحدثين والفقهاء والأصوليين ، وإنما يردّون الأحاديث ، ويشككون فيها بل ويكذّبونها ويستهزؤن بها لمجرد مخالفتها لمذهبهم وهذا ليس غريباً على أهل الأهواء إذ بهذا امتازوا عن أهل السنة ، فأهل السنة أهل اتباع وتمسّك بالسنة ، وأما أهل الأهواء فيتبعون أهواءهم بغير علم ، وقد يتبعون النصوص أحياناً إذا -ظنوا ظناً- أنها توافق مذهبهم فيحملونها على غير مراد الله ورسوله ويفسرونها بأهوائهم، وهذا من أصعب المزالق وأكبر أسباب ضلالهم وانحرافهم . أيها الإباضي المغرر بك سأضرب لك مثلاً واحداً على ما قررته لك . فأقول : أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى . وكذب كبار الإباضية نسبة هذا الخبر أو الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم ‼️ فقالوا: لأن هذه الأحاديث تخالف القرآن الكريم فالله تعالى يقول: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) سورة الأعراف ومن تأمل وتدبر الآية الكريمة لن يجد فيها ما يدل على : ١/ أن الله تعالى لا يراه أهل الجنة يوم القيامة، فموسى عليه السلام لم يسأل الله تعالى أن يراه في الجنة في الآخرة ٢/ أن الله تعالى لم يقل إني لا أُرى: وإنما قال: ( لَنْ تَرَانِي ) وفرق بين التعبيرين ٣/ أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن لم يفهم من هذه الآية نفي رؤية المؤمنين لله تعالى، فلم يقل في حياته قط إن الله تعالى لا يراه أهل الجنة، بل ولم يَرِدْ نفي ذلك ولا في حديث ضعيف‼️ ٤/ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في أحاديث كثيرة مشهورة صحيحة أن الله تعالى يُرى يوم القيامة، وقد رواها جمع من الصحابة رضي الله عنهم ودوّنها أهل الحديث بأسانيدها وما أنكروها ولا استكرهوها، حتى ظهر أهل البدع والأهواء فكذبوها وشككوا فيها ومما يُضْحِك الثكلى ، ويضحك به كبراء الإباضية على المغرر بهم قولهم إنما قال موسى عليه السلام (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) لأنه سأل الله تعالى رؤيته ‼️ وهذا كذب صريح بل هو مجرد محاولة يائسة لنصرة مذهبهم الباطل. فلو أن إباضياً صغيراً سأل أكبر شيخ من مشايخ الإباضية فقال له كيف عرفت أن موسى عليه السلام تاب إلى الله تعالى لأنه سأله أن ينظر إليه؟ حينئذٍ سيعجز تمام العجز عن الإجابة . أيها الإباضي المغرر بك تأمل ما سأقول لك ، حديث رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى، قد رواه البخاري وهو الإمام المشهور أمير المؤمنين في الحديث صاحب الجامع الصحيح: قال حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى الإمام الحافظ الفقيه شيخ الحرم أبو بكر القرشي الأسدي الحميدي المكي صاحب المسند. قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هو مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان الفزاري كان حافظاً ثقة قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هو الحافظ ، الإمام الكبير أبو عبد الله البجلي، سمع من خمسة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم عَنْ قَيْسٍ هو العالم الثقة الحافظ ، أبو عبد الله البجلي واسم أبيه حصين بن عوف ، أسلم وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبايعه ، فقبض نبي الله وقيس في الطريق ، ولأبيه أبي حازم صحبة عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصحابي الشهير رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ : (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)

ومثل هذا يقال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ وهو : الإمام الحافظ ، محدث الإسلام قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وهو الإمام الناقد المجود ، سيد الحفاظ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ابن دينار ، الثقة الإمام القدوة ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وهو :الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو محمد البناني عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وهو : الإمام العلامة الحافظ ، أبو عيسى الأنصاري عَنْ صُهَيْبٍ الصحابي الشهير رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) قال الإمام مسلم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وهو: عبد الله بن محمد بن القاضي الإمام العَلم سيد الحفاظ، قال : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وهو : الإمام القدوة شيخ الإسلام الحافظ ثقة حجة كبير الشأن، عَنْ حَمَّادِ بْنِ ابن دينار ، الثقة الإمام القدوة ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى) أقول : فمن أنكر هذين الحديثين فزعم أنهما كذب أو باطلان أو مخالفان للقرآن أو يفيدان التجسيم أو غير ذلك فليبين من أين جاءت علة للحديثين ؟ هل من البخاري أو الْحُمَيْدِيُّ أو مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أو إِسْمَاعِيلُ البجلي أو قَيْسٍ بن حصين أو جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصحابي أو مسلم بن الحجاج أو عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ أو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أو حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أو ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أو صُهَيْبٍ الصحابي أو أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أو يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أو - والعياذ بالله- النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ واعلم أيها الإباضي المغرر بك أن الحديث الصحيح هو ما اجتمع فيه خمسة شروط ١/ أن يكون السند متصلاً أي أن يحدث كل راو عن الذي فوقه من غير إنقطاع ٢/ بنقل العدول أي أن جميع رواة الحديث مستقيمين في دينهم ومروءتهم. ٣/ وأن يكونوا ضابطين حفظ الحديث أو كتابته. ٤/ من غير شذوذ ، أي لا يروي الراوي غير مخالف فيه من هو أرجح منه عدداً أو ثقة ٥/ ومن غير علة توجب رد الحديث، وعادة العلة تكون خفيةً يعرفها الحفاظ والمتخصصون . وهذه الأحاديث بحمد الله تعالى قد استوفت هذه الشروط ومَن زعم غير ذلك فليبيّن سبب ضعف الحديثين فضلاً عن إسقاطهما وردّهما .

تابعني في مقال قادم إن شاء الله تعالى وستستفيد بإذن الله تعالى. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المقالات