موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

للأسف هذا وأنت دكتور !!

15 ذو القعدة 1442 |

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فلقد نشرت مقطعاً مسجلاً مصوراً قبل أيام رددت فيه على من استهزأ بفتوى تحريم المظاهرات والإعتصامات، وعرَّضَ بشيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى وانتقصه لأنه يقول بالسمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف ولو ضرب الظهر وأخذ المال، وهو الذي افتى بمنع المظاهرات والإعتصامات واستشكل بعض عوام الناس قولي بأن الفساد مخلوق لله تعالى !! ولا يمكن إزالته بالكلية كما يزعم بعض الناس بأنه يحارب المفسدين، ويريد القضاء على الفساد. ولقد بينت أن الرسل عليهم السلام لم يرسلهم الله تعالى لإزالة الفساد بالكلية، إذ لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، وإنما أرسلهم للبلاغ المبين ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولله الأمر من قبل ومن بعد ويهدي الله من يشاء من عباده إلى صراطه المستقيم. وهذا واضح وبين والحمد لله ، وليس غريباً إلى حدٍ ما أن لا يستوعب ذلك بعض العوام لكن أن يعترض ويستنكر "دكتور" من الدكاترة حاصل على شهادة عليا في العلوم الشرعية فهذا حقاً أمر يثير العجب والإستغراب !! فياليت شعري إن لم يكن الكفر والكفار والفساد والمفسدون مخلوقين لله تعالى فمن خلقهم ؟ قال تعالى:(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) (3) سورة فاطر الجواب قطعاً لا خالق غير الله تعالى. ولاشك أن كل مسلم يؤمن بربوبية الله تعالى يعلم يقيناً أن كل موجود غير اللهِ إنما هو مخلوق لله تعالى، حتى ما لا يحبه اللّهُ ويبغضه بل وينهى عنه ويلعنه ويعاقب عليه فقد خلقه الله تعالى بمشيئته أيضاً . قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (62) سورة الزمر وقال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) سورة الفرقان

فإذا قيل من خلق ابليس ؟ من خلق الكفار ؟ من خلق المفسدين ؟ فلا شك سيكون الجواب : الله خالق كل شيء . مع أن الله لا يحب الفساد ونهى عنه، ويعاقب عليه لكن الله خلقه "قدراً" ونهى عنه "شرعاً" . وأهل السنة والجماعة يؤمنون بـ "القدر" و"الشرع" خلافاً للقدرية والجبرية. أما القدرية (المعتزلة) فقد كفروا بـ "القدر" وزعموا أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، وقالوا إن العبد يخلق فعل نفسه، وأما الجبرية (الجهمية) فقد كفروا بـ "الشرع" فأبطلوا الأمر والنهي، والرسل والرسالات وقالوا إن العبد مجبور على أفعاله ولا أرادة له يفعل بها . إذن أهل السنة والجماعة قالوا: الله خالق كل شيء حتى المخلوقات التي لا يحبها كالشياطين والكفار والمنافقين والمفسدين وخلق أفعالهم لحِكمٍ مترتبة على خلقه إياهم فلا منافاة بين كون الله تعالى يخلق من لا يحبه بل ويبغضه ويعاقب عليه وبين كونه تعالى يأمر ببغضه وجهاده. فالله تعالى خلق الكفار والمنافقين المفسدين كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (2) سورة التغابن ومع ذلك أمر بجهادهم وقتالهم كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (9) سورة التحريم، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) سورة التوبة فخلق الله تعالى الكفار "قدراً" وأمرنا بجهادهم وقتالهم "شرعا" . فلا يمكن إزالة الكفار من الوجود والله خلقهم بمشيئته "لحكمة" ومع ذلك أمرنا "شرعاً" بجهادهم وقتالهم . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - (والشر ليس إليك) فمعناه أن الشر ليس من أفعال الله تعالى ، فأفعال الله صفاته، وإنما الشر من مفعولاته أي في مخلوقاته، ففرق كبير بين (أفعال) الله ومفعولاته. فأفعال الله التي هي صفاته كلها خير، وأما مفعولات الله التي هي مخلوقاته ففيها الخير والشر . إذن أفعال الله تعالى التي هي صفاته كلها خير وكلها كمال وأما الشر ففي مفعولات الله (أي مخلوقاته). وقد قال الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام أنه قال لقومه وهم يعبدون الأصنام: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (96) سورة الصافات وقوله "ما " في الآية إما مصدرية فيكون المعنى والله خلقكم (وعملكم) أو (ما) اسم موصول فيكون المعنى والله خلقكم (والذي) تعملونه . وعلى الوجهين ففي الآية دليل على أن الله خلق العباد وخلق أفعالهم ومن أفعالهم عبادة الأصنام. والخلاصة: متى ما عرفت الفرق بين أفعال الله تعالى التي هي صفاته ومفعولات الله تعالى التي هي مخلوقاته زال الإشكال كله بإذن الله تعالى. وسأضرب مثالاً للتوضيح وبيان الفرق بين فعل الفاعل ومفعولاته: فالطبيب الجراح هل وظيفته خير أو شر ؟ لا شك أن الأصل في وظيفته أنها خير، حتى أنه ليجري العملية الجراحية للمريض فيكافأه عليها ويشكره !! لأنه يجرح المريض لحكمة فيفتح بطنه أو يكسر عظمه ولا يفعل ذلك إجراماً ولا اعتداءً . بخلاف المجرم المعتدي . ففرق بين من يفتح بطن المريض لإجراء عملية جراحية للعلاج وبين من يفتح بطن المعتدى عليه وإجراماً وإعتداءً . فيصح أن يقال عن الطبيب الجراح بأنه إنسان طيب وحبيب ولا يعتدي على أحد لأن فعله خير وإن كانت مفعولاته الجراحية فيها أوجاع ودماء . وفي كلمتي السابقة زعم بعض الناس أنني أُنكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !! وأُقر الفساد وأنهى عن الإصلاح وأُحارب المصلحين !! ومنهم من زعم أنني اسأت الأدب مع الله تعالى !!

سبحانك هذا بهتان عظيم.

مع أني قلت بأن الظلم ظلمات يوم القيامة والظالم سيحاسبه الله تعالى سواءً كان حاكماً أو محكوماً فالله تعالى حرم الظلم نفسه وجعله بيننا محرماً، وبينت مراراً وتكراراً أن أكل الأموال بالباطل العامة والخاصة حرام فمن أكل ديناراً أو درهماً بالحرام فسيحاسبه الله تعالى، وبينت ذلك بوضوح تام غير أن بعض الناس أبى إلا أن يفسر كلامي على هواه !! ومن اتهمني بذلك فهو أحد رجلين -والله أعلم- إما في قلبه مرض وغالباً يكون تابعاً للمرشد الأعلى أو المرشد العام، وإما أن يكون عامياً جاهلاً لم يتعلم، أما النوع الأول فلا حيلة لي معه إلا أن أدعو الله تعالى له أن يشفيه ويهديه ويكفيني شره، وأما النوع الثاني فإما جاهل قابل للتعليم فنعلمه فيتعلم العلم ويستفيد بإذن الله تعالى وإما جاهل غير قابل للتعليم أو لا رغبة له في العلم وهذا لا أملك له شيئاً. والخلاصة: الفساد والمفسدون والشر والأشرار لن ينتهوا ولا يمكن القضاء عليهم بالكلية، وإنما يبتلي الله تعالى بهم عباده كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) سورة الانبياء وقال تعال: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) سورة الفرقان، وقال تعالى: (وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ۗ (4) سورة محمد وقد أمرنا الله تعالى "شرعا" بالجهاد وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة والموعظة الحسنة والصبر على الأذى والتعاون على البر والتقوى والجد والعمل والدعوة إلى الله، وإنكار الفساد، والسعي في الإصلاح (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ) (220) سورة البقرة ولكن كل ذلك يجب أن يكون لوجه الله تعالى لا لمصالح شخصية ولا لتصفية حسابات ولا لتسجيل مواقف ولا لدعايات إنتخابية ولا لنصرة الدستور ولا لتحقيق الديمقراطية ولا لغير ذلك . كما يجب أن يكون ذلك كله بالأسلوب الشرعي الصحيح . لا بالفوضى ولا بالمظاهرات ولا بالسب والشتم ولا بالتشهير والتهديد ولا بالوعيد والتنديد وإنما بالضوابط الشرعية وبالتي هي أحسن للتي هي أقوم . والله اعلم . اللهم إني أُشهدك أني قد عفوت عن كل مسلم سني ظلمني أو شتمني أو سخر مني أو استهزأ بي فتاب ولو لم يعتذر لي . اللهم من أصر على شيء من ذلك ولم يتب فأنت حسبي من دونه ونعم الوكيل .

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات