لا يدخل الجنة قتات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من كبائر الذنوب التي استهان بها كثير من الناس عامة ولم يفطن لها بعض طلبة العلم خاصة (النميمة) وهي نقل الكلام بين الناس للإفساد بينهم، قال تعالى (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم-11] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة نمام) مسلم [105[ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال:(إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) البخاري ]6052[ ومسلم ]292[. فهذه الأدلة تدل دلالة واضحة على أن النميمة من الكبائر فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفي دخول الجنة إلا لأن النميمة من كبائر الذنوب.
أخي القارئ الكريم ألا يستوجب هذا أن تحذر كل الحذر من نقل الكلام؟ وتحاسب نفسك عما قد يقع منك أو قد وقع منك ، مما قد تسببت في القطيعة بين الأخوان وذلك بسبب نقلك لفلان عن فلان فالأمر خطير جداً والوعيد شديد!!
التأويل شر من التعطيل
لو قال قائل النميمة ليست بحرام وأنا أفعلها فمثل هذا حكمه ظاهر، أو قال نعم النميمة حرام وأنا واقع بها قلنا له اتق الله وتب إليه تجد الله تواباً رحيماً. لكن الأدهى والأمر أن يقول النميمة حرام لكنني انقل الكلام لأحذر من فلان وهذا نوع من النميمة مباح بل قد يصل إلى درجة الواجب!! فانظر أيها القارئ العزيز كيف تلاعب الشيطان بهذا المسكين فاقنعه أن الحرام بل كبيرة النميمة قد صارت واجبة، حقاً كما قيل التأويل شر من التعطيل فهذا تأويل باطل زيّنه الشيطان لصاحبه حتى ظن أنه يحسن صنعاً بنقله للكلام وإفساد ذات البين.
لا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
من المسائل النظرية المقررة التي قد انعقد عليها الإجماع والاتفاق أن لا أحد معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قلت نظرياً لأن الواقع المعمول به عند الناس على خلاف هذا، فلا تكاد تجد من يسلم منه بين مقلٍ ومكثرٍ تبرير كل خطأ عند المتبوعين. وبيان هذا لو قلت لمقلد متعصب لأحد الأئمة الأعلام: لا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقال نعم هذا حق وأنا أقول به، فإذا قلت له لقد خالف إمامك أو مذهبك السنة الفلانية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفض قبول هذا جملة وتفصيلا، بل قال بعضهم: كل حديث خالف مذهبنا فهو إما منسوخ أو ضعيف!! فانظر يا رعاك الله إلى حالنا قديما وحديثا كيف نقرر نظريا أن لا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نخالف عمليا عندما نتعصب ولا نرضى بأي انتقاد أو عدم موافقة بشيء ولو كان يسيراً.
أحَشَفٌ وسوء كيّل؟
يروى في الأمثال أن رجلاً أراد أن يشتري تمرا من بائع فأخذ البائع يكيل من التمر ويضع الرديء منه وهو الحَشَف فلاحظ المشتري ذلك وسكت ثم زاد البائع على غشه الأول فأخذ يطفف بالمكيال فقال المشتري: (أحشف وسوء كيل؟) فأصبح مثلا يضرب في حق من يجمع سيئة على سيئة ومعصية على معصية. فإن قلت أخي القارئ وما مناسبة هذا المثال؟ فأقول قد تذكرت ما يفعله بعض الناس هداهم الله تعالى فهم لا يكتفون بالنميمة ونقل الكلام للإفساد بل تراهم يجتهدون بالتجسس وانتقاء ما هو أشد فتكا وإغاظة للمنقول إليه بل بعضهم ربما يتعمد إثارة الآخرين حتى يظفر بكلمة يتمكن بنقلها عبر وسائل الاتصال السريعة الحديثة بل وقد يحرص أن ينقله مسجلا بالصوت ومدعما بالشهود والبينات حتى لا يترك خط رجعة ليحطم العلاقات تحطيما!! لماذا كل هذا؟! لقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم الكذب لإصلاح ذات البين!! كان الواجب على المسلم أن يجتهد في التأليف بين قلوب المسلمين بشتى الطرق والسبل لا أن يسعى لإشعال الفتن! أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تتوب إلى الله عز وجل وتصلح ما أفسدته فالرجوع إلى الفضيلة واجب كما يحرم الإصرار على الرذيلة، وأي رذيلة شر من افساد ذات البين والتحريش بين الأخوين؟!
كيف حال فلان؟
أخي القارئ اعلم رحمني الله وإياك أنه يجوز لك شرعا بل يجب عليك لو سألك أحد عن شخص ما، فقال: كيف حال فلان؟ أن تقول هو بخير والحمد لله ويحبك ويذكرك بالخير حتى لو كنت قد سمعت الثاني يقول عن الأول قولا لا يرضيه أو لا يعجبه!! ووجه هذا أن المسلم يحب المسلمين عموما ويذكرهم بخير، والأول من جملة المسلمين فصح أن تقول يحبك ويذكرك بالخير وذلك حرصا على تأليف القلوب وتقوية لأصار المحبة كما ينبغي لك أن تقدم النصيحة للثاني إن كان قد أخطأ في حق أخيه أو ظلمه بشيء وبهذا تجمع بين حسنتين خير لك من الجمع بين سيئتين.
هذا ما أحببت أن أذكر به نفسي أولا وإخواني ثانيا، والله تعالى اسأل أن يوفق جميع المسلمين عامة وأهل السنة خاصة إلى العلم النافع والعمل الصالح والحمد لله أولا وأخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.