موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

من جهل الإباضية عيبهم مشابهة عقيدة المسلمين لعقيدة أهل الكتاب

7 محرم 1443 |

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد فإن التوراة والإنجيل والقرآن كلها من كتب الله تعالى التي أنزلها الله تعالى أوجب الله تعالى علينا الإيمان بها قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) سورة النساء ولما أنزل كتبه كالتوراة والإنجيل ولم يتكفل بحفظها ولم يشأ ذلك لذلك اعتراها بعض التحريف كما ذكر الله تعالى عن أهل الكتاب فقال :(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (46) سورة النساء وقال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(79) سورة البقرة #محفظ

وليس كل ما فيها محرف، فلا غرابة أن تجد توافقاً بل وتطابقاً بين اخبار التوراة والإنجيل واخبار القرآن الكريم . فظن الإباضيون أن من العيب تطابق عقيدة أهل السنة مع ما في التوراة والإنجيل، بينما الحق أن ذلك مما تمدح به عقيدة أهل السنة ولا تذم . قال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: (ويقولون أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)(٣٧) سورة الصافات وقال تعالى في حق القرآن : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء)

وقال تعالى : (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) سورة النمل

وقال في حق من آمن من أهل كتاب :(وإذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦) سورة المائدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ويسره أن يسمع من اخبار أهل الكتاب ما يوافق ما أنزل الله تعالى إليه، فقد روى البخاري في صحيحه (4533) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون)

بينما أهل البدع من المعتزلة والأشاعرة والإباضية وغيرهم يحسبون ذلك عيباً ونقصاً بل وضلالاً أن تتطابق اخبار التوراة والإنجيل مع ما أنزله الله تعالى في القرآن . فتراهم ينكرون مثلاً صفة اليد لله تعالى التي وصف الله تعالى بها نفسه كما في قوله تعالى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) وقوله تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) سورة ص وحجتهم في ذلك أن اليهود هم الذين وصفوا الله تعالى باليد كما في قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) والحق أن الله تعالى ما لعن اليهود لأنهم اثبتوا لله صفة اليد، فاليد صفة كمال ثابتة بالكتاب والسنة تليق بالله تعالى ولا تماثل صفات المخلوقين، وإنما لعن الله اليهود لأنهم قالوا يد الله تعالى (مغلولة) ولذلك رد الله تعالى عليهم بقوله (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ) (64) سورة المائدة، ولم يقل مثلاً سبحانه ليس له يد . وكذلك مما يغلط فيه أهل البدع كثيراً ظنهم أن من سأل الله تعالى رؤيته ففيه شبه باليهود، وهذا من أبطل الباطل، فاليهود جعلوا رؤيتهم لله تعالى شرطاً للإيمان، فسألوا نبي الله موسى عليه السلام إما أن يريهم الله تعالى جهرة أو لن يؤمنوا له ، كما في قوله تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (55) سورة البقرة وقال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا) ولو كان سؤال رؤية الله تعالى يستوجب غضب الله تعالى لما سأل موسى ربه فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولذلك لم تؤخذه صاعقة وإنما قال له ربه تبارك وتعالى : (لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) سورة الاعراف والفرق كبير بين سؤال اليهود وسؤال موسى عليه السلام فلا يمكن لمسلم عاقل يذم موسى عليه السلام لأنه سأل ربه رؤيته . وأما نبينا صلوات ربي وسلامه عليه فقد سأل ربه رؤيته يوم القيامة وتبعه بذلك اتباع سنته فهم يسألون الله تعالى لذة النظر إلى وجه الله الكريم، في الجنة وسيكرمهم الله تعالى بذلك كما قال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) سورة القيامة، وقد تواترت الأحاديث ولا ينكرها إلا مبتدع قد طمس الله بصيرته

والخلاصة صار لسؤال الله تعالى النظر إليه ثلاث حالات : الأولى: سؤال الله تعالى النظر إلى وجه الله تعالى الكريم يوم القيامة في الجنة كما في الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم(واسألك برد العيش بعد الموت واسألك لذة النظر إلى وجهك) رواه أحمد في مسنده (30/265) وصححه الألباني في الكلم الطيب(106)عن عمار بن ياسر رضي الله عنه وهذا محمود ونسأل الله تعالى من فضله. الثانية : سؤال الله النظر إليه في الدنيا كما سأل موسى عليه السلام ربه، لكن الله تعالى قال : (لن تراني) .

الثالثة : سؤال بني اسرائيل رؤية الله تعالى في الدنيا وجعلوا ذلك شرطاً للإيمان فأخذتهم الصاعقة وهذا مذموم والفرق واضح جداً كما لا يخفى على كل منصف والحمد لله رب العالمين.

ومن المسائل التي استنكرها أهل البدع من المعتزلة والخوارج والإباضية على أهل السنة مسألة خروج عصاة الموحدين من النار بعد أن يعذبوا فيها . فاليهود كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياءه بغير حق وقالوا : لموسى أرنا الله جهرة وقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء وقالوا : يد الله مغلولة وقالوا : إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكذبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانكروا نبوته وقالوا غير ذلك من الكفريات والواحدة منها تكفي لتستوجب لهم الخلود في النار ومع هذا كله قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه، ولن تمسنا النار إلا أياماً معدودة فأين أقوالهم هذه الكفرية من قول أهل السنة بل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه المتواترة التي اخبرنا بها أن عصاة الموحدين إن عذبهم الله تعالى فإنما يعذبهم إلى أمد لا إلى الأبد ؟ لا يقول ذلك إلا أحد رجلين إما جاهل لا يعرف من العلم إلا اسمه أو متعصب قد اعمى التعصب بصره وبصيرته .

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات