و جاء خطر التبديع (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأزواجه وصحبه، أما بعد:
فمازلت مع الرد والنقد لإخوة لنا قد بغوا علينا وعلى غيرنا قد اصابهم داء التسرع والعجلة والشدة المفرطة بتبديع الناس وإخراجهم من منهج الكتاب والسنة حتى لا يكاد يسلم منهم أحد وربما إذا ما وجدوا من يبدعونه بدع بعضهم بعضا كما قال القائل:
واحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
ولقد شابهوا بذلك التكفيريين من وجوه كثيرة منها:
(لا يوجد سني سواهم)
كما أن التكفيريين كفروا المجتمع حتى بلغ الأمر فيهم أن كفر بعضهم أمه وأباه كذلك بلغ الأمر ببعض المبدعين فكل الناس عندهم ليسوا على جادة السنة حتى أن عامة العلماء مشكوك بمنهجهم إلا النزر اليسير ويظهر هذا من لازم قول بعضهم: (سلوا فلاناً عن فلان!
فإن قال عنه بأنه عالم وبإمكاننا أن نستمع إليه وإلى اشرطته وإن كان عنده أخطاء لكنه عالم ولا نستطيع القول بعدم السماع إليه ستعرفون حينئذ منهجه) انتهى كلامه مترجما!
فتأمل أخي القارئ يا رعاك الله إلى هذا التأصيل الفاسد الذي ما أنزل الله به من سلطان فمنذ متى صار يعرف منهج الرجل ويحكم عليه بالخروج من المنهج أو على الأقل بالانحراف عنه بمجرد قوله (فلان عالم ويجوز سماع أشرطته)؟!
ومازال العلماء من السابقين واللاحقين يقرأون كتباً ومؤلفات ومصنفات لعلماء عندهم انحرافات وضلالات بل وطامات في العقيدة والمنهج ولم ولن يقل أحد منهم أن مجرد قول فلان عالم ويستفاد من كتبه يعد بذلك منحرفا في المنهج ويقاطع ويحذر منه. تأمل هذا جيدا لتدرك خطورة ما عليه القوم.
(إنها لإحدى الكبر)
أخي القارئ الكريم والله وبالله وتالله لا أدري ماذا سيقول ذلك المتسرع بالتبديع لو قيل له : هل كل من قال فلان عالم ويجوز سماع أشرطته يعتبر منحرفا في منهجه أو أن هذا في حق فلان دون سواه؟
اقول: والذي نفسي بيده لا أدري ماذا سيقول؟ لكنه هو بين أمرين احلاهما مر.لأنه إن قال : هذا في حق فلان فقط دون أحد سواه قلنا له لقد فرقت بين متماثلين وهذا تناقض وإن قال : هذا في حق كل من قال بقوله قلنا له إنها لإحدى الكبر إذ يلزم من قولك هذا الحكم بالانحراف المنهجي على العشرات بل المئات من العلماء وطلبة العلم بل وحكمت على اكابرهم كالشيخ العلامة ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ الفوزان والشيخ العباد وغيرهم كثير جدا وأضعاف أضعاف عددهم.
وأنت الذي طالما دعوت الناس إلى طاعة ولاة الأمر من العلماء ووجوب طاعتهم وتوقيرهم فما بالك خرجت عن أصلك المستقيم الذي كنت تحمد عليه إلى هذا التأصيل الفاسد الذي صرت إليه؟
وأنا في هذا المقام والمقال ادعوك يا أخي المتسرع أنت وأمثالك إلى التوبة النصوح والرجوع إلى رشدكم واسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون كما انصحكم بعدم المكابرة إذ قليل من التقوى أو شيء من العقل يكفي أن تدركوا بأنكم قد انحرفتم بهذا التأصيل الفاسد!
(زعمهم أن العلماء لا يعلمون ولا يفقهون الواقع)!!
اعلم أخي القارئ الكريم وفقك الله إلى كل خير أن التكفيريين إذا قيل لهم إن ما تذهبون إليه من تكفير ولاة المسلمين لا يقول به العلماء ولا يوافقونكم عليه ! بادروا وقالوا : العلماء لا يعلمون ويخفى عليهم الواقع وزعموا أنهم ادركوا ما لم يدركه العلماء واطلعوا على ما لم يطلعوا عليه إلى آخر هذا الهراء والكلام المستهلك السخيف حتى خرجوا على الناس بما سموه بفقه الواقع وهكذا وللأسف الشديد المتسرعون بالتبديع تكاد تتطابق اقوالهم إذا قيل لهم فلان لم يبدعه العلماء واكثر العلماء لم يبدعوا الجمعية أو التجمع الفلاني ! قالوا : العلماء لا يعلمون وأدركنا ما لم يدركوا وجربنا ورأينا ما لم يجربه ويراه العلماء سبحان الله تشابهت اقوالهم !
(الهوى وما أدراك ما الهوى؟!)
واذكر نفسي وكل من استطعت أن اذكره بهذا الكلام النفيس للعلامة يحيى المعلمي اليماني قال رحمه الله تعالى في كتابه التنكيل(197/2): (فتش نفسك تجدك مبتلى بمعصية أو نقص في الدين وتجد من تبغضه مبتلى بمعصية أو نقص آخر ليس في الشرع بأشد مما أنت مبتلى به ! فهل تجد استشناعك ما هو عليه مساويا لاستشناعك ما أنت عليه وتجد مقتك نفسك مساويا لمقتك إياه؟ وبالجملة فمسالك الهوى اكثر من أن تحصى وقد جربت نفسي أنني ربما انظر في القضية زاعما أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى فأقرره تقريرا يعجبني ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى فأجدني اتبرم بذلك الخدش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولا تقريرا اعجبني صرت اهوى صحته هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس فكيف إذا كنت قد اذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يلح الخدش ولكن رجلا آخر اعترض علي به؟ فكيف لو كان المعترض ممن اكرهه؟!) انتهى كلامه.
أخي القارئ هل تدبرت كلام العلامة المعلمي؟ والله يكاد من يقرأه يحسبه من مشكاة النبوة وهذا ليس بغريب فالعلماء ورثة الأنبياء فمن ذا الذي يجزم بتزكية نفسه بأنه سالم من الهوى وأن ما يقرره لا هوى له فيه؟!
لقد قال الله تعالى لنبيه داود عليه السلام {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وقد يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الهوى في كل نفس إذ لم يقل الله تعالى لنبيه داود عليه السلام لا تهوى وإنما قال :?ولا تتبع الهوى}.
قال الشيخ العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية : فلا تتبع الهوى فتميل مع أحد لقرابة أو صداقة أو محبة أو بغض لآخر فيضلك الهوى عن سبيل الله ويخرجك عن الصراط المستقيم. انتهى كلامه.
فليفتش كل منا وبلا استثناء هل نحن في كل ما نأتي ونذر سالمين من الهوى وحظوظ النفس؟
(منهج الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز في الرد على المخالفين)
يصف لنا أحد ابرز طلاب الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ونائبه في رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة وهو الشيخ المحدث الفقيه عبد المحسن العباد البدر حفظه الله، اقول يصف منهج الشيخ ابن باز رحمه الله في الرد على المخالفين فيقول) هو منهج يتسم بالرفق والشفقة والحرص على سلامة المردود عليه ورجوعه إلى الصواب. ومن منهجه أيضا - رحمه الله - أنه إذا رد على مخالف لم يشغل نفسه بمتابعته، ولم يهجره أو يدعو إلى هجره، بل اعتبر نفسه أدى ما عليه من النصح وبيان الخطأ واشتغل بما هو ديدنه من العلم والعمل والدعوة إلى الخير ونفع الناس بمختلف وجوه النفع) انتهى كلامه من مقدمة كتاب منهج الشيخ عبدالعزيز بن باز في الرد على المخالفين لنايف بن ممدوح.
فأقول: فيا ليتنا نسلك منهج الشيخ العلامة والد العلماء والعامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى فإن ردوده محفوظة مطبوعة مفيدة نافعة جامعة.
(قل إنما اعظكم بواحدة)
اعلم ارشدك الله لهداه أن الناس عادة وغالباً إذا سمعوا من ينتقدهم أو يخطئهم أو ينكر عليهم ما اعتادوه اخذوا يتعاونون على رد الحق ووصل بعضهم بعضا بالتمسك بالباطل أو الخطأ من غير تفكير في كلام من انتقدهم. لذا قال الله تعالى :
?قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}[سبأ: 46]، وبهذا انصح اخواني المتسرعين بالتبديع أن يجلس أحدهم وحده أو مع أخ عاقل ويتفكروا في حالهم ومنهجهم، الذي لا يكادون يجدون لهم من يوافقهم عليه، هل ما هم عليه هو الحق؟ وهل عامة العلماء والسواد الأعظم منهم يوافقونهم على ما هم عليه في تبديع الناس والطعن بمناهجهم؟ كما انصحهم بالتوجه إلى الله بصدق وإخلاص ويدعونه جل وعلا أن يبصرهم بالحق ويوفقهم للتمسك به.
اسأل الله تعالى أن يوفقني والمسلمين إلى ما فيه الخير والصلاح، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.