موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

رسالة إلى فضيلة الشيخ فيصل بن قزار : الإخلاص أن تخفي حسناتك كما تخفي سيئاتك

30 ربيع الأول 1443 |

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فلقد كتبتُ رسالة إلى الشيخ فيصل بن قزار وفقه الله لكل خير أنكرتُ عليه أسلوبه التهييجي على المنبر في خطبة الجمعة التي يفترض فيها تذكير الناس بما ينفعهم ، لا أن يتكلم في موضوع "سيادي" راجعٌ الأمر فيه بعد الله تعالى إلى أمير البلاد ، وسياسة الدولة وبينت له نقاطاً دقيقة ومهمة لعل الله تعالى أن ينفعه ومن يشاء من عباده ، وحذرتُ من الاغترار بأسلوبه الحماسي والذي قد ينتج عنه مفاسد كبيرة وخطيرة على العباد والبلاد . وبعد ذلك أرسل لي أحد الأخوة رسالةً كتبها الشيخ فيصل بعد مقالي تقع في 12 صفحة سودها - غفر الله له ولوالديه- بذكر جهوده العلمية والدعوية ومؤلفاته ومشاركاته في المؤتمرات وعدد ساعات دروسه ومحاضراته وما ترتب على جهوده من الفوائد والمنافع ولم يبق إلا أن يقول ولولا الله ثم أنا لذهب الإسلام !! وللأسف لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لما انْتُقِد عليه ، والذي يظهر أنه ما استفاد ولا قَبِلَ النصيحة بل اصرَّ على أنه على طريقته التهييجية التي انتهجها وانتقد عليها !! ولقد قرأتُ رسالة الشيخ فيصل كاملة وأظن أني ما تركتُ منها سطراً ولا كلمة بل ولا حرفاً إلا وقرأته . وسبحان الله ذكرني الشيخ فيصل بشخصين اثنين الأول : الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق غفر الله له، والثاني : الدكتور عبدالرحمن دمشقية، والذي نفسي بيده كأنهم خرجوا من مدرسة واحدة فأسلوب الشيخ فيصل قريب جداً من أسلوبهما فكل منهم إذا انتقد بشيء بدلاً من قبوله للنصيحة يذهب يسرد جهوده وأفعاله وآثاره !! وهكذا فعل الشيخ فيصل فقد قال عن نفسه : كتبت ، ألفت ، شاركت ، انتفع الناس بي ، فعلت وفعلت ، تكلمت لما سكت غيري ، لا يهمني أحد ، ولا أتزلف لأحد المهم مرضاة ربي ، ما أقول هذا مدحاً لنفسي وووالخ . مع أنه لم يُسأل عن جهوده العلمية والعملية !! وبما أن (الدين النصيحة) فنصيحتي للشيخ فيصل أن يحذف تلك الرسالة خير له. وأقول له : اعمل لربك ولا تستكثر واخفِ حسناتك كما تخفي سيئاتك. فموضوعنا ليس عن جهودك وأفعالك ومؤلفاتك ومؤتمراتك ، وإنما كان حول منهج تهييج الناس على المنبر والإشارات بل التصريحات التي من الممكن أن يترتب عليها فساد عريض . فللأسف في مقالك لم تتكلم عن ذلك ولا بجملة واحدة !! .

يا شيخ فيصل نحن ولله الحمد لسنا في بلد "بوليسية قمعية" كان بإمكانك بل ومازال المجال مفتوحاً أمامك أن تطلب مقابلة أصحاب الشأن لأمرين اثنين : الأمر الأول : للإطلاع على سير العمل والملفات المتعلقة بالموضوع الذي طرقته ، ليكون حكمك على بينة إذ من القواعد المقررة أن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" فتصور الموضوع تصوراً صحيحاً ثم احكم عليه بما يناسبه فقد يتبين لك شيء لا تعرفه. الأمر الثاني : إذا تبين لك شيء من الظلم أو الخطأ - إن وجد - فبإمكانك نصيحة أصحاب الشأن ، بما يناسبهم مع تقديم اقتراحاتك التي قد ينفع الله بها أصحاب القضية . وبهذا الأسلوب الصحيح الراقي النافع المفيد تستغني عن الخطب التهييجية ، وتتجنب العواقب السيئة المتوقعة . ولقد أرسل لي أحد الأخوة المحبين رسالة قال فيها : أنت تجنيْبتَ على الشيخ فيصل بن قزار وقلتَ عنه "سروري" وهذا كذب وافتراء وووالخ ثم قال: والمفروض تناصحه سراً . قلت له : أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولوالديَ ولك ولوالديك وللمسلمين إنه هو الغفور الرحيم ، وتجاوزتُ كلماته الجارحة إذ ليس المقصود تبادل الشتائم وإنما المقصود بيان المنهج الصحيح والتحذير من المناهج المنحرفة . لذا قلتُ له : أنا ما قلتُ أن الشيخ فيصل بن قزار "سروري"، وإنما قلت له : (ومن عرف منهج السرورية يدرك بوضوح ، صبغة السرورية في طرحك) قال : مفهوم من كلامك أن الشيخ فيصل "سروري". قلت له : والشيخ فيصل وصف أمير الكويت ومن ينوب عنه بأنهم ظلمة وقد ظلموا فئة من فئات المجتمع وغير ذلك من الكلام الكثير والكبير والقاسي ولم يناصحهم سراً !! بل وجه رسالة إلى أعضاء مجلس الأمة الذين بصدد مقابلة أمير البلاد لما يسمى بالمصالحة الوطنية أو الحوار الوطني أن يتكلموا مع القيادة السياسية العليا بخصوص ما وصفه بأنه ظلم وظلمات وقال الواجب الأخذ على يد الظالم . فقال : الشيخ فيصل ما ذكر اسم الأمير ، ولا غيره فما قال الأمير ظالم أو فلان ظالم . قلت له : هذا مفهوم من كلامه ولماذا تحملني ما يفهم من كلامي ولا تحمل الشيخ فيصل ما يفهم من كلامه ؟!! ولماذا تطالبني أن أناصحه سراً ، ولا تطالب الشيخ فيصل أن يناصح الأمير والمسؤولين سراً؟!! مع أن التجنيس أمر "سيادي " فالتجنيس بعد الله تعالى بيد الأمير . والشيخ فيصل يعرف هذا جيداً . ثم وصف الحاكم على المنبر بالظلم وأنه قد ظلم فئة من الناس، وأنه لا يحكم بما أنزل الله ، ومن لم يحكم بما أنزل الله تعالى فهو ما بين كافر أو ظالم أو فاسق فهذا منهج سروري بحت ، وحتى لو كان كلامه فيه حق ، غير أن المنابر ليست محلاً لتقرير هذه المسائل ولا يصلح طرحها على العامة لا على المنبر ولا في التغريدات ، وهذا أمر دقيق يفقهه من وفقه الله للفقه في الدين ، وعرف منهج السلف وتربى عليه ، لذلك لا يمكن أن تسمع لعلماء أهل السنة تقريراً في هذه المسائل على المنابر أمام العامة . وكونك متعصب للشيخ فيصل أو قد منعك حبك له أو لأي سبب آخر ، فأنا غير مسؤول عنك . وكما قيل : (المتحيز لا يميز) لذلك تريد تلزمني بما يفهم من كلامي ولا تريد تلزم الشيخ فيصل بما يفهم من كلامه !! . واعلم أن الذين انتقدوا الشيخ فيصل كثيرون ، منهم علماء ومشايخ ودكاترة وطلبة العلم من الكويت وخارجها وهم عدد ليس بالقليل . بل وشكرني عدد من المشايخ والدكاترة وطلبة العلم على مقالي وانتقدوا الشيخ فيصل بن قزار على خطبته. بينما أكثر الذين أيدوه من أصحاب المناهج الباطلة بل ومنهم من ليس من أهل السنة . ثم ليس بالضرورة أن يقتنع كل الناس بكلامي فالناس يتفاوتون في أفهامهم ، بل حتى القرآن الكريم الناس في فهمهم ليسوا سواء . ومن الناس من تحركه عواطف أو مؤثرات تعيقه عن فهم المقصود ، ومنهم من يحمل الكلام على أسوء المحامل وذلك بسبب منهجه أو حتى عقيدته . وأنا لا أُجبرُ أحداً على الإقتناع بكلامي ولا أمرت أحداً أن يتبع رأيي لا في في حكمي على الشيخ فيصل ولا غيره . فمن أراد أن يستمر في حبه وصداقته واحترامه لي وحبي وصداقتي واحترامي له فحياه الله ومرحباً به ، ومن أراد أن يقلب الحب بغضاً والصداقة عداوة ويقلب الإحترام إلى قلة أدب فهذا شيء راجع له ، وأمره إلى الله تعالى وحسابه عليه . وبهذه المناسبة أريد أن أبين بعض المسائل الدقيقة للشيخ فيصل ولغيره وهي:

أولاً : ليس بالضرورة أن كل من رد على ملحد فهو ليس ملحداً وليس كل من رد على مشرك ليس مشركاً وليس كل من رد على مبتدع ليس مبتدعاً وليس كل من رد على أشعري ليس أشعرياً وليس كل من رد على حزبي ليس حزبياً وليس كل من رد على إخواني ليس إخوانياً وليس كل من رد على سروري ليس سرورياً ، وكذلك ليس كل من رد على سلفي ليس سلفياً . فمن فَهِمَ هذا جيداً زال عنه الإشكال . فأصحاب الملة الواحدة أو العقيدة الواحدة أو المذهب الواحد أو المنهج الواحد قد يرد بعضهم على بعض بل ربما يحصل بينهم من النزاع والخلاف والقتال وما هو أكثر من نزاعهم مع من ليس منهم . فإذا وجدت من يرد على السرورية كالشيخ فيصل بن قزار أو غيره فلا يعني أن منهجه بالضرورة ليس متلطخاً بالمنهج السروري ، كما أنه قد يتفق من السرورية بمسائل ويختلف معهم بمسائل أخرى . ثانياً : الرد على المخالف فرض كفاية ولا يلزم كل مسلم أو كل طالب علم أو كل عالم أن يرد على كل مخالف . فقد يكتفي العالم برد غيره فلا يرد . ثالثاً : قد يسكت العالم لأسباب :منها عدم قدرته على الرد ، ومنها انشغاله بما هو أهم ، ومنها عدم ممارسته للردود ، ومنها تخصصه في الرد على طائفة معينة كالصوفية أو الخوارج أو الإباضية ومن العلماء من يتخصص في الرد على الملاحدة أو النصارى. ومن الأسباب أيضاً : عدم العالم أو طالب العلم ، ومنها عدم استطاعته على الإنكار باللسان أو القلم فيأخذ برخصة (فمن لم يستطع فبقلبه) ومنها تقديره أن الرد ليس فيه مصلحة أو قد يكون فيه مفسدة . رابعاً : من العلماء من ينكر سراً وينصح أصحاب الشأن دون أن يخبر الناس بنصيحته . خامساً : من العلماء من يكتفي بما يشرحه في دروسه ويقرره في خطبه ومحاضراته وما يكتبه في مؤلفاته مما يشمل تلك المنكرات المتجددة، كبناء المعابد أو الدعوة إلى وحدة الأديان أو منكرات الحفلات والمهرجانات ، فيحسب بعض الناس أنه ساكت أو أنه مداهن أو راضي بتلك المنكرات والمخالفات . سادساً : انتقدتُ الشيخ فيصل على زياراته المتكررة للسروريين وعلاقاته المشهورة بهم ولا سيما خارج الكويت ، فلم يبين لماذا يزورهم ، ولا أنكرَ أن له علاقة بهم . فأين هو من حديث (إنها صفية) !؟ سابعاً : من السهل جداً اتهام الناس بالكذب والإفتراء والجهل البسيط والمركب فهذا كل الناس يحسنونه والموفقون يتنزهون عنه ولكن من الصعب جداً تفنيد ما أُخِذَ عليه في منهجه وأن يدلل عليه بالأدلة والبراهين والشواهد والوقائع . ثامناً : أنكرتُ على الشيخ فيصل دفاعه عن عبّاد الأولياء الذين يكفرهم ولا يعذرهم بالجهل ويهاجم من لا يكفرهم ، وسواء كانت نسبتهم من تلك الفئة قليلة أو كثيرة ، فأعرضَ عن هذه الجزئية وكأنه لم يقرأها ولم يسمعها ، ولم يبين هل تراجع عن القول بعدم العذر بالجهل أو مازال على قوله ؟ فإن لم يتراجع فهل يعتبرهم كفاراً بأعيانهم ؟ وإذا كانوا كفاراً فلماذا يطالب بتمكينهم وتكثير سوادهم؟ لأن أكثر الذين وقفوا معه وسبوا وشتموا ولعنوا هم أو أهليهم من فئة عباد الأولياء . تاسعاً : الشيخ فيصل لم يفرق بين المسائل التي نتفق معه عليها والمسائل التي نختلف فيها، فأخذ يسرد ردوده على كذا وكذا وكذا من المسائل المتفق عليها وأعرض عن ما انتقد عليه ، ويقول : من باب (إنها صفية) مع أن المسائل التي هي محل النزاع والإنتقاد وتحتاج إعمال حديث (إنها صفية) أعرض عنها !! عاشراً : من الملاحظ أن الذين أيدوا الشيخ فيصل في خطبته التهييجية غالبهم إن لم يكونوا كلهم من أصحاب المناهج المنحرفة ، وكما قيل (واللبيب بالإشارة يفهم) الحادي عشر : تم تبليغ الشيخ فيصل عن رأيِ أحد العلماء المعاصرين فيه فلماذا لا يتواضع ويتواصل مع الشيخ ويستفيد منه !؟ وهذا ليس من باب التماس رضى الشيخ وإنما ليبين له ما قد يخفى عليه . الثاني عشر : كثيراً ما يصف الشيخ فيصل بن قزار غيره بعدم التأصيل وكأنَّ لا أحد يفهم التأصيل سواه ، ويرفع نفسه ويهون من شأن غيره !! فالواجب أن يتنبه لنفسه فقد تزداد هذه الحالة فتهلكه كما أهلكت غيره . الثالث عشر : يا شيخ فيصل لا تكثر من تزكية نفسك وتثني كثيراً على جهودك فإنك ولو قلت بأنك لا تهتم بمدح المادحين ولا تلتفت إلى ذم الذامين وأنك تبتغي ما عند الله وغير ذلك من تلك المقدمات فلن يخرجك ذلك عن وقوعك في تزكيتك لنفسك .فمثلك كمثل من يريد أن يغتاب أخاه فيقول : والله كلامي هذا ليس من باب الغيبة وليس من عادتي اغتاب أحداً وليس من البهتان ولا التشفي ولا الشماته وليس ذلك من عادتي ولا ولا ولا ثم بعد هذه المقدمات يبدأ يتكلم في أخيه ، ويغتابه ويستبيح عرضه فهذه المقدمات كلها لا تغير من الواقع شيئاً . فتنبه لذلك الرابع عشر : إذا كتبتَ شيئاً أو قررتَ نشر كلام ؛ حاول أن تعيد النظر فيه مراراً حتى لا تحرج نفسك وتحرج طلابك بالتناقضات التي قد تقع فيها . وأكتفي بذكر بعض الأمثلة : 1/ نهيتَ عن الكلام على طالبان بحجة أنهم ولاة أمر ، وإلا بك تنتقد ولاة الأمر عندنا على المنبر ونبهتكَ على ذلك وأعرضتَ عن التنبيه . 2/ تنهى عن التهييج وترد على أرباب الثورات ثم تقع بما نهيت عنه . 3/ تنتقد السرورية ثم تصاحب بعضهم . ولم تنف ذلك 4/ تزعم أنك تعرض عن من تكلم فيك ولا تلتفت إلهيم ثم تتوعد بإخراج كتاب مستقل في الرد عليهم !! اختر أحد الأمرين إما الإعراض أو الرد الخامس عشر : لوحظ على بعض طلابك المقربين منك قلة الأدب واستعمال الألفاظ الهابطة فضروري تعتني بالتربية بجانب التصفية . وفقك الله وإياهم لكل خير والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المقالات