موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

إذا أشرقت شمس السّنة أطفأت ما سواها

15 شوال 1427 |

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ومن بهم لحق، أما بعد:

فإن الله تعالى أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، فما من عمل يقربنا إلى الله تعالى إلا وبيّنه وحفظه لنا، والأمة بالجملة حفظت الدين كله بحفظ الله تعالى له، قال جل وعلا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) [الحجر] لكن ليس بالضرورة أن فرداً من أفراد الأمة يحفظ الدين كله ويحيط بجميع شرائعه وحدوده وسننه، فهذا أمر متعذر على الجميع، إذ مهما بلغ العالم بل والصحابي في العلم ما بلغ فلا يمكن أن يحيط بجميع مفردات الإسلام وواجباته وحدوده وسننه وآدابه. لذلك ليس من المستغرب أن تجد أقوالاً لبعض الصحابة فضلاً عن بعض العلماء تخالف السنة، والأمثلة على هذا كثيرة جداً، أذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:

بعض الصحابة يرى أن التيمم لا يرفع الحدث الأكبر، ومنهم من قال صلاة الضحى بدعة، ومنهم من أنكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً، ومنهم من أنكر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ومنهم من رأى أن أكل البَرَدِ لا يفطر الصائم، ومنهم من نهى عن التمتع بالحج وأوجب أن يكون مفرداً، ومن العلماء من أنكر استنجاء الرجل بالماء، ومنهم من أجاز زواج المتعة، ومنهم من أجاز المعازف، ومنهم من أجاز الخمر من غير العنب والشعير ما لم يسكر، ومنهم من أجاز صلاة الرجل عرياناً مع قدرته على ستر عورته، ومنهم من أجاز أكل السباع، ومسائل أخرى كثيرة، يعسر ويصعب حصرها. وكل له عذره فيما ذهب إليه وخالف فيه السنة، فمنهم من لم يبلغه النص، ومنهم من اعتمد على حديث ضعيف أو منسوخ أو مقيد أو مخصوص، ومنهم من فهم النص على غير مراد الله ورسوله، فهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهد مخطئ له أجر واحد.

أخي القارئ الكريم لكن لما ظهرت السنة وأشرقت شمسها ودونت في دواوين السنة وصنفت في مصنفات وجعل لها العلماء كتباً وأبوابا وفصولا، تَبيّن الحق في كثير من المسائل وظهر الراجح من المرجوح والمحفوظ من الشاذ. أخي القارئ الكريم وفقني الله وإياك إلى الحق، لما صار الأمر إلى ما ذكرته لك لم يبق لأحد العذر فيتعصب لقول أو لقائل معارضاً سنة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أن فلاناً قال بذلك القول أو رجح ذلك الرأي، والله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)) [الحجرات].

أخي القارئ العزيز قد يكون للصحابي أو للعالم أو للإمام عذره وهو مأجور على ما اجتهد به، ويكون من تمسك بما أخطأ به ملاماً موزوراً شاذاً بما يقول. لقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب ثم حرم الذهب على الرجال، ومنع من زيارة القبور ثم رغّب الناس إلى زيارتها، ونهى عن أكل الضب ثم أباح أكله، فهل يجوز لمسلم أن يتمسك بما تغير الحكم فيه محتجا بحديث منسوخ؟! لا شك أن هذا تمسك باطل ومنحنى خطير وشذوذ ظاهر، والأولى والأوجب التمسك بالسنة وتحريم ما حرم الله ورسوله وإباحة ما أباح الله ورسوله، والتمسك بالراجح دون المرجوح والمحفوظ دون الشاذ. واعلم أن ما يقال فيمن تتبع الأقوال المخالفة للسنة في المسائل الفقهية العملية يقال مثله فيمن اعتقد وقال في المسائل العقدية العلمية، فالحق في الكتاب والسنة ولا اعتبار لأحد كائن من كان أن يتبع قوله أو رأيه إذا خالف الكتاب والسنة. وإلى هذا ندعوا كل مسلم ومسلمة في مشارق الأرض ومغاربها إلى التمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه جمهور سلف الأمة، دون ما أخطأ به بعضهم من اختيارات لبعض المسائل العلمية أو العملية، كما ندعوا كل مسلم أن يتقي الله ويتوب إليه، إذا أخذ بالأقوال الشاذة أو الضعيفة بل والمرجوحة إذا ظهر له الحق، وإلا كان من الذين في قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه ويتركون المحكم الواضح البين الذي لا لبس فيه ولا اشتباه ولا غموض، وهذه طريقة من يبتغي الشهرة باختيار الآراء الشاذة، فإن كان بعض من عرف عنه السنة وقع في شيء من ذلك فعليه أن يبادر إلى التوبة النصوح إلى الله تعالى؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

أخي المسلم اعلم رحمني الله وإياك أن حسن النية لا يبرر سوء العمل، وإني والذي نفسي بيده أبرأ إلى الله تعالى من اتهام مسلم في نيته، فالنوايا لا يعلمها إلا الله عز وجل ولكن أقول اتباع المسائل الشاذة سبب للشهرة وسبيل من يبتغي الشهرة، فإن كان من تتبع ذلك يبتغي الشهرة فليتق الله وليبادر إلى التوبة النصوح، وإن كان يريد الله والدار الآخرة فأقول له: لقد أخطأت الطريق ولا بد لك مع حسن النية صحة العمل وهذا معلوم ومقرر ولا يخفى على أدنى طالب علم وجوب إخلاص العمل لله مع المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أسأل أن يوفقني وكل مسلم يبتغي وجه الله تعالى إلى التمسك بالسنة وما عليه الجماعة فإنه من شذ شذ في النار.

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات