موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

من رأى منكم منكراً فليغيره

7 ربيع الأول 1428 |

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ولمن لهديه اقتفى، أما بعد:



فإن من أعظم قواعد النهي عن المنكر حديثَ أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم 49] 

ولقد تناول العلماء هذا الحديث بالشرح والبيان والاستنباط، وأعني بالعلماء ورثة الأنبياء الذين هم بحقٍ علماء، بينما ضل من ضل في فهم هذا الحديث، فمنهم من قيده بلا مقيد صحيح، ومنهم من أطلقه بغير حدود، وهدى الله تعالى أهل السنة إلى الفهم الصحيح والتطبيق المستقيم، وذكروا ضوابط في النهي عن المنكر، لعلي أُذَكِّر نفسي وإياك أخي القارئ ببعضها فأقول:


إن الأمر والنهي لا بد لهما من علم وبصيرة حتى لا نأمر بمنكر وننهى عن معروف، لذلك قيل العلم قبل الأمر والنهي.


قوله (من رأى منكم منكراً) يفيد أننا لا ننكر المنكر إلا إذا رأيناه ظاهراً فلا نسعى للتجسس والتحسس حتى نكتشفه وننكره.

إنما قال «من رأى» ولم يقل «من ظن» وبين الأمرين فرقٌ كما لا يخفى.

قوله «منكراً» نكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فتشمل كل منكر كبيراً كان أو صغيراً في الاعتقاد أو العبادة أو المنهج أو الإطلاق، كما يعم كلَّ صاحب منكر مهما علت رتبته أو انخفضت.

قوله «فليغيره» فعل مضارع دخلت عليه لام الأمر، فهذا دليل على وجوب تغيير المنكر على الاستطاعة وبالتدريج وبالضوابط المذكورة في هذا الحديث وغيره.

قوله «بيده» فيه فوائد منها: أن التغيير باليد لمن له قدرة وسلطة، وليس على إطلاقه، ومنها أن نغير باليد ما يمكن تغييره باليد، فلو سمعنا من يتكلم بالباطل لغيرنا باطله بالكلام معه وليس باليد، ومنها أن من قَدَرَ على تغيير المنكر باليد فلا يجوز له الاكتفاء بتغييره باللسان أو القلب.

قوله «فإن لم يستطع» تقييد عام، كما في قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن 16]، وقوله (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة 286]، وبهذا يتضح لنا خطأ من يتهم العلماء أو الدعاة لماذا لا يغيرون كذا وكذا؟ فيقال وما يدريك أنهم يستطيعون تغييره أم ل؟ا

إن التغيير باليد ليس معناه العنف والاعتداء، فيمكن أن يكون بالرفق.

التغيير باليد ليس بالضرورة أن يباشره بيده، وإنما يمكنه أن يقول بلسانه لمن له سلطة عليه يا فلان: اترك كذا وكذا أو لا تفعل كذا وكذا.

لا يجوز تغيير منكر بمنكر أكبر منه، ويجوز تغيير المنكر ولو نتج عن ذلك التغيير منكر أصغر منه، أما تغيير المنكر إلى منكر مساوٍ له فهو محل نظر، وقد قيل تحويل صاحب المنكر إلى منكر آخر قد يسهل عليه ترك المنكر وهذا أفضل من إصراره على منكر معين.

ليس بالضرورة أن تباشر تغيير المنكر بنفسك- ولو قدرت على ذلك - بل يجوز أن تكلف غيرك أو ترفع الأمر إلى من فوقك؛ ليغيره، وهذا له أدلة كثيرة.

التغيير باللسان لا يعني كلمة يقولها المُنْكِر لصاحب المُنكَر من غير أن يفهم ما الذي ينكره عليه، بل لا بد من البيان ليحصل المقصود من الإنكار.

الواجب أن ينهى المُنكِرُ نفسَه عن المنكر قبل أن ينكره على الآخرين لكن لا يعني هذا أنه لا ينكر على غيره، ولو كان واقعاً هو فيما ينكره؛ لأنه إذا ترك الإنكار أضاف ترك واجب إلى معصيته ومنكره.

الإنكار بالقلب يلزم منه مفارقة المنكر وأهله ومكانه، وقد قال تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء 140].

لا يجوز اتهام أحد بأنه لا ينكر المنكر؛ لأنه قد يكون قد أنكر ومستمراً في الإنكار، وقد يكون منكِراً بقلبه - وقد يقبل الله منه ذلك - فكيف لا نقبل منه؟!


ومن أعظم الضوابط والشروط «الصبر» لقوله تعالى (وَأْمُرْ بًالْمَعْرُوفً وَانْهَ عَنً الْمُنكَرً وَاصْبًرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إًنَّ ذَلًكَ مًنْ عَزْمً الْأُمُورً) [لقمان- 17]، وقوله (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر- 3]


أخي القارئ هذه بعض الضوابط والقواعد، ذكرتُها لك على سبيل الذكرى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات