صدق الله ورسوله وكذب أحمد الخليلي الإباضي والملحدون
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، أما بعد:
فإن مما يرجوه كل مسلم أن يلقى ربه وهو راض عنه ويزحزحه عن النار ويدخله الجنة ويكرمه بالنظر إلى وجهه ذي الجلال والإكرام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه لذة النظر إلى وجه الله تعالى فقد روى أحمد في مسنده (18351) والنسائي في سننه (1305)عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : (اللهمَّ بعِلْمِكَ الغيبَ وقُدْرَتِكَ عَلَى الخلَقِ، أحْيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا عَلِمْتَ الوفَاةَ خيرًا لي، اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ، وأسأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا والغضَبِ، وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغِنَى، وأسألُكَ نعيمًا لَا ينفَدُ، وأسالُكَ قرَّةَ عينٍ لا تنقَطِعُ، وأسألُكَ الرِّضَى بعدَ القضاءِ، وأسألُكَ برْدَ العيشِ بعدَ الموْتِ، وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللهم زيِّنَّا بزينَةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدينَ) ورؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى مطلب عظيم لكل مسلم وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من المعتزلة والرافضة والإباضية. ولم يعرف في الصدر الأول من الإسلام من أنكر رؤية الله تعالى، ولم تظهر هذه العقيدة الإلحادية إلا بعد إنقضاء عصر الصحابة رضي الله عنهم.
وقد أثبت الله تعالى في كتابه رؤية المؤمنين لربهم فقال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(٢٣) (سورة القيامة) وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (26) (سورة يونس) وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى ذي الجلال والإكرام. كما في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) (سورة الاعراف) ودلالة الآية على إثبات الرؤية من وجوه: الوجه الأول: أن موسى عليه السلام كليم الرحمن سأل ربه أن ينظر إليه فلو كان النظر إلى الله مستحيلاً أو باطلاً أو كفراً لما سأل موسى عليه السلام ربه ذلك. الوجه الثاني: أن الله تعالى قال: (لَنْ تَرَانِي) ولم يقل (إني لا أُرى) نظير هذا المعنى أن يقول قائل لمن ليس له ولد: أريد أن أرى ولدك. فالجواب الصحيح أن يقول: ليس لي ولد ولا يقول لن ترى ولدي، وهذا لا ينافي رؤية ولده في المستقبل إذا رزقه الله ولداً. فموسى عليه السلام سأل ربه أن يراه في الدنيا (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فأجابه الله فقَالَ (لَنْ تَرَانِي) وأهل البدع يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية في الآخرة. والحق الذي لا مرية فيه أن قوله تعالى (لَنْ تَرَانِي) دليل على أنه يُرى، لا على أنه لا يُرى. الوجه الثالث: أن الله تعالى تجلى للجبل، والجبل مخلوق فما المانع أن يتجلى الله تعالى لعباده يوم القيامة؟ قال أهل البدع: إن موسى عليه السلام ارتكب ذنباً عظيماً لما قال: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولذلك (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) فلو لم يرتكب ذنباً فمما تاب عليه السلام؟‼️ قلت: هذا فهم أعوج واستدلال باطل، فالتوبة عبادة مشروعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم مائة مرة، ولا يلزم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذنب في اليوم مائة مرة. وقد قال الله تعالى :(لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) (سورة التوبة) فمما تاب النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار رضي الله عنهم؟
ومن الأدلة قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) (سورة المطففين) ، ومن تدبر هذه الآية وجدها صريحة في إثبات رؤية المؤمنين لربهم، وقد سئل الإمام مالك عن هذه الآية فقال: (لما حجب [ الله ] أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه) انتهى من تفسير البغوي) (سورة المطففين) الآية (15)
وأما الأحاديث في إثبات الرؤية فكثيرة وقد رواها عن النبي صلى الله عليه جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وهي في الصحيحين وغيرهما. منها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟))، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟(قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ)رواه البخاري (7437)
وحديث ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ رضي الله عنه، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻫﻞ ﻧﺮﻯ ﺭﺑﻨﺎ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ؟ ﻗﺎﻝ: (ﻫﻞ ﺗﻀﺎﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻭاﻟﻘﻤﺮ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﻮا؟»، ﻗﻠﻨﺎ: ﻻ، ﻗﺎﻝ: «ﻓﺈﻧﻜﻢ ﻻ ﺗﻀﺎﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺭﺑﻜﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ، ﺇﻻ ﻛﻤﺎ ﺗﻀﺎﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻬﻤﺎ) رواه البخاري (7439)
وحديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" )رواه مسلم ( 181)
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في حَدِيثِ الشفاعة الطويل وفيه (فيأتوني، فأستأذِنُ على ربِّي، فإذا رأيتُه وقعتُ ساجدًا، فيدعني ما شاء اللهُ، ثمَّ يُقالُ لي: ارفَعْ رأسَك: سَلْ تُعطَه، وقُلْ يُسمَعْ، واشفَعْ تُشفَّعْ) رواه البخاري (7440)
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) رواه البخاري (4879)
وحديث ﺟﺮﻳﺮ بن عبدالله رضي الله عنه ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺒﺪﺭ ﻗﺎﻝ: (ﺇﻧﻜﻢ ﺳﺘﺮﻭﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻭﻥ ﻫﺬا اﻟﻘﻤﺮ، ﻻ ﺗﻀﺎﻣﻮﻥ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻪ، ﻓﺈﻥ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ ﺃﻥ ﻻ ﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻰ ﺻﻼﺓ ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮﻉ اﻟﺸﻤﺲ، ﻭﺻﻼﺓ ﻗﺒﻞ ﻏﺮﻭﺏ اﻟﺸﻤﺲ، ﻓﺎﻓﻌﻠﻮا) رواه البخاري (7434)
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه أيضاً أنه ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (ﺇﻧﻜﻢ ﺳﺘﺮﻭﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻋﻴﺎﻧﺎ) رواه البخاري(7435)
وحديث ﻋﺪﻱ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ، رضي الله عنه ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (ﻣﺎ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﺳﻴﻜﻠﻤﻪ ﺭﺑﻪ، ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺗﺮﺟﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﺣﺠﺎﺏ ﻳﺤﺠﺒﻪ) رواه البخاري (7443)
وهذا اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار عليهم من اللّه الرضوان، وبه قال سادات العلماء من التابعين وتابعيهم فقد أجمعوا على نفي الرؤية العيانية في الدنيا، وإثباتها في الآخرة وذلك في عرصات يوم القيامة، وفي الجنة، وهذا قول أهل السنة والجماعة.
قال الإمام عبدالغني المقدسي رحمه الله: (وأجمع أهل الحق واتَّفق أهل التوحيد والصدق - أن الله تعالى يُرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح عن رسوله) انتهى من كتاب عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي صفحة (58) . وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: (وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وأهل الحديث، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة)انتهى من كتاب شرح الطحاوية (153) . وقال الإمام النووي رحمه الله: (قد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة - على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين) انتهى من كتاب شرح صحيح مسلم (3 /15)
وقد خرج عن هذا الإجماع من لا عبرة بخلافهم من الجهمية والمعتزلة والرافضة والإباضية ونحوهم من الملاحدة المعطلة المكذبين بآيات وأحاديث الصفات وهؤلاء شر الخلق والخليقة.
وقد تمسك أهل البدع الملحدون بقوله تعالى (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) (سورة الانعام) ولا حجة لهم بالآية فإن الله تعالى نفى الإدراك وهو الإحاطة بالشيء وهذا حق إذ لا أحد من الخلق يحيط به تعالى لعظمته وسعة ذاته وصفاته، ولم ينف الله تعالى رؤيته، والرؤية أعم من الإدراك فمثلاً نحن نرى السماء والشمس والقمر والنجوم لكن لا ندركها.
وبهذا يتبين أن الأدلة التي استدل بها أهل البدع حجة عليهم وليست لهم، لذلك قلت: (صدق الله ورسوله وكذب أحمد الخليلي الإباضي والملحدون )
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.