رسالة إلى أصحاب قنوات القصص الواقعية والجرائم والإعدامات
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن الناس مَنْ منَّ الله عليه بأسلوب روائي رائع ومميز فيسرد القصص سرداً ممتعاً شيقاً حتى أصبح كثير من الناس يتابعه وينتظر القصة بعد القصة، ولكنه يسيء كثيراً جداً إلى الأحياء والأموات الذين يروي قصصهم. وقد يقول الراوي أو القصاص هذه القصص منشورة في كتب مطبوعة ومرخصة قانونياً، فلا تلوموني ولوموا من كتبها ونشرها. فأقول وبالله أستعين:
أولاً: ليس كل شيء يسمح به قانونياً يكون جائزاً شرعاً. فالكلام في الناس وأذيتهم ومنهم الأموات حرام ولو كان القانون لا يجرم ذلك ولا يعاقب عليه.
ثانياً: التائب من الذنب كمن لا ذنب له فقد يرتكب أحدٌ جريمةً في أيام شبابه وغفلته وقد يكون حينها يتعاطى المخدرات أو يشرب المسكرات وارتكب جريمته ثم تم القبض عليه ثم تاب توبة نصوحاً ومكث في السجن سنوات ثم نفذ فيه حكم فمكث في السجن سنوات أو حكم عليه بالمؤبد أو بالإعدام فبأي حق يفضح وتنشر تفاصيل جريمته ؟
ثالثاً: صاحب الكتاب الذي نشر تلك القصص غلطان وهو آثم ومن ينشر ما كتبه أيضاً آثم، فالإثم يكون على الكاتب والناشر أيضاً لأنهم تعاونوا على الإثم والعدوان.
رابعاً: تفاصيل القضايا والجرائم تقيد في محاضر التحقيق والمحاكم للضرورة وليس لأحد الحق في نشرها لا المحقق ولا المباحث ولا وكيل النيابة ولا المحامي ولا القاضي ولا غيرهم وهؤلاء يفترض فيهم أن يحفظوا أسرار الناس لا أن يفضحوهم.
خامساً: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري في صحيحه (13) فهل لو قدر الله تعالى على الراوي مصيبة فهل يقبل أن يقصها الناس ويتسلون بسماع تفاصيلها ؟ حتماً لا يقبل ذلك صاحب مروءة.
فمثلاً -على سبيل المثال- لو كان للراوي أو القصاص أخ أو ابن مبتلى بالإدمان ثم دخل على بعض محارمه واعتدى عليها ثم قتلها ثم تم القبض عليه ثم حكم عليه ثم تم شنقه. فهل يقبل الراوي أن يأتي أحد ويذكر قصته أو قصة قريبه بالتفصيل فيذكر اسمه وعمره وعنوان بيته وزمان ومكان الجريمة وينشر صوره وهو في ساحة الإعدام ثم وهو على منصة الإعدام ثم كيف تم شنقه؟ للأسف بعض الرواة والقصاصين يفعل ذلك، يذكر اسم مرتكب الجريمة وزمان ومكان الجريمة وكيف تم القبض على الجاني وتفاصيل التحقيق والمحاكمة وتفاصيل تنفيذ الحكم وموعد الإعدام ووصيته قبل الإعدام وماذا طلب وماذا استجابوا له وأين أوصى أن يدفن وكم دقيقة تم تعليقه على حبل المشنقة وإذا حصل على بعض الصور نشر جميع صوره من أول ما يقبض عليه حتى وصوله إلى ساحة الإعدام‼️ لو سألنا هذا الراوي أو القصاص واستحلفناه بالله العظيم هل يقبل أن أحداً يفعل به أو ببعض أسرته مثل ما يفعل بغيره ؟ فبماذا سيجيب ؟
سادساً: بعض القصص التي يذكرها هؤلاء القصاصون قد مضى عليها ثلاثون أو أربعون أو خمسون سنة أو أقل أو أكثر، والذين يعرفون الجاني أو المجني عليه قد نسوا هذه القصة ويتمنون أن الناس قد نسوها أو نسوا تفاصيلها المؤلمة، فبأي حق يأتي من يذكرهم بها وبتفاصيلها الدقيقة ويجدد فضيحتهم ويفتح جروحهم ويفجر آلامهم ويذكر ما مضى من شأن الأحياء منهم والأموات ؟
سابعاً: بعض الجناة أو المجني عليهم لا يعرف الناس أنهم أبناء فلان الجاني ولا فلانة المجني عليها ويعيشون بستر الله تعالى فبأي حق هذا القصاص يعرف الناس بماضيهم أو ماضي أقربائهم ؟ فيقول فلان القاتل وفلانة المعتدى عليها وكذا وكذا.
ثامناً: أكثر الناس لا يعرفون تفاصيل الجرائم التي يذكرها القصاصون وربما أهلهم وأقرباؤهم يخفون حقيقة قضية أقربائهم أو يحرفونها طلباً للستر فلا يذكرون قضية قريبهم بأنها بسبب هتك عرض أو مخدرات أو اغتصاب وإنما يقولون مشاجرة وسوء تفاهم ونزاع على المال أو نزاع على موقف السيارة ونحو ذلك، بل حتى بعض الناس إذا مات ابنهم بجرعة زائدة وسئلوا عن سبب الوفاة قالوا "سكتة قلبية" طلباً للستر. ثم يأتي المحقق أو المباحث أو المحامي أو الكاتب أو القصاص أو غيرهم ويفضحون الأسرة بأكملها ويذكرون التفاصيل الدقيقة، هذا والله اعتداء سافر لا يقبله أي إنسان سوي وهو قطعاً حرام بل وجريمة وإثم.
تاسعاً: بعض الكتب بل أكثرها غير منتشرة وبعضها قد نفدت من المكتبات وكثير منها لا يفطن الناس لقرائتها بل وأكثر الناس اليوم لا يقرأ فيأتي من ينشرها بأسلوب شيق ويجعل لها سيناريو وحوار وبهذه الطريقة تتم نشر الفضائح أكثر مليون مرة من انتشارها عن طريق الكتاب. وهذه ليست مبالغة بل حقيقة فمن نظر إلى عدد المتابعين أو المشتركين في القناة راوي قصص الجرائم، ونظر إلى عدد المشاهدات وجد أن صاحب القناة قد فضح الأحياء والأموات أكثر بكثير من صاحب الكتاب.
عاشراً: ما الفائدة من نشر قصص الناس وفضحهم ؟ إن كان في ذلك فائدة أو بعض الفوائد فالمفاسد أكثر بكثير من المصالح.
ومن هذه القصص ما يتعلم منه الناس الجرائم، فكم من مجرم ارتكب جريمته وهو يحاكي قصة سمعها أو قرأها أو شاهدها. والله تعالى سيحاسب كل من تسبب بالجريمة من قريب أو بعيد.
فإن قال قائل في هذه القصص عبرة! فأقول: يمكن أخذ العبر وإيجاد الحلول وتقديم النصائح بطرق كثيرة غير طريقة ذكر فضائح الناس وفتح جراحاتهم وذكر آلامهم.
والخلاصة: نصيحتي لكل من انتهج هذا النهج ولكل من ينشر مقاطعهم أو ينصح بالإشتراك في قنواتهم؛ أنصحهم جميعاً أن يتقوا الله تعالى وليعلموا أن الله تعالى سيحاسبهم جميعاً على ما فعلوا وعلى ما يفعلون وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) رواه البخاري في صحيحه (2442)
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.