موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)

14 شعبان 1428 |



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



فإن الله تعالى خلق الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له وبإخلاص الدين أمرهم لا بسواه،كما قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة-5]، وقال تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر-3]، ومفهوم الآية ما لم يكن خالصاً فليس لله، والله تعالى غني عنه لا يقبل من عباده إلا ما كان خالصاً، وفي الحديث القدسي : قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك . من عمل عملا أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه . رواه مسلم ]2985[ والواجب على المسلم أن يخلص لله تعالى ويعتقد أن الذين يعبدون الله تعالى ويعبدون معه غيره ليسوا بمسلمين بل هم كفار بسبب شركهم بعبادة الله تعالى.



فليس الكافر من يعبد الشيطان أو يعبد الأصنام فحسب، بل حتى الذين يعبدون الله تعالى ويعبدون معه غيره كفار أيضاً.


وهذه مسألة مهمة جدا لا يستقيم دين المسلم حتى يعتقد أن الدين كله لله وحده، وأن كل من عبد غير الله تعالى فهو كافر ولو عبد الله تعالى.



أخي القارئ وفقني الله وإياك لمرضاته اعلم أرشدك الله للحق أن المشركين الأوائل كانوا يعبدون الله تعالى ولم ينفعهم ذلك شيئاً لأنهم كانوا يعبدون مع الله تعالى غيره من الأولياء والأصنام.

فقد كانوا يقولون في تلبيتهم بالحج: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك)، فهذا أوضح من أن يُوضح بأنهم كانوا يعبدون الله لكن لم يخلصوا الدين لله لذا فهم كفار مشركون لا تنفعهم عبادتهم لله ولا إقرارهم بربوبية الله حتى يخلصوا لله ويعبدوه وحده لا شريك له.

لذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن البراءة من العمل الذي يعمله المشركون فقال(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافًرُونَ(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلَا أَنتُمْ عَابًدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلَا أَنَا عَابًد مَّا عَبَدتُّمْ(4) وَلَا أَنتُمْ عَابًدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دًينُكُمْ وَلًيَ دًينً(6)) [سورة الكافرون].

الأحاديث الواردة في فضل سورة (الكافرون)



  1. عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.....ومن قرأ قل يا أيها الكافرون عدلت له بربع القرآن....» [رواه الترمذي (2893) صحيح الجامع (6466).

  2. عن علي- رضي الله عنه- قال: لدغت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقرب وهو يصلي ، فلما فرغ قال : « لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره » ، ثم دعا بماء وملح ، وجعل يمسح عليها ويقرأ ب قل يا أيها الكافرون ، و قل أعوذ برب الفلق ، و قل أعوذ برب الناس » ] رواه الطبراني في المعجم الصغير وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم [(548).



  3. عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» [رواه مسلم (2041)].

  4. عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما أحصى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بــ «قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» [رواه الترمذي (431) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي[.

  5. ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صحيح مسلم ]1218[ : لسنا نعرف العمرة . حتى إذا أتينا البيت معه ، استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا . ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام . فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ 2 / البقرة / الآية 125 ] فجعل المقام بينه وبين البيت . فكان أبي يقول ( ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ) : كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون.

  6. عن عبد العزيز بن جريج قال: سألنا عائشة- رضي الله عنها- بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بــ «سبح اسم ربك الأعلى» وفي الثانية بــ «قل يا أيها الكافرون» وفي الثالثة بــ «قل هو الله أحد» [رواه الترمذي (463) ورواه ابن ماجه وصححه الألباني].971[



  7. عن فروة بن نوفل- رضي الله عنه- أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني شيئاً أقوله إذا أويت إلى فراشي، قال: «اقرأ قل يا أيها الكافرون فإنها براءة من الشرك» [رواه الترمذي (3403) وأبو داود (5055) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1161)].



  8. عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمت السورتان يقرأ بهما في ركعتين قبل الفجر قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون» [اخرجه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان وصححه الألباني في الصحيحة (646)].

ما اشتملت عليه سورة الكافرون من فوائد ومسائل

  1. الإعلان بكفر الكفار وتسميتهم بلقب ((الكافرون)) الذي سماهم الله به، ولا يجوز تسميتهم بغيره أو التوقف عن إطلاق الكفر عليهم.

2

  2. كفر من لم يكفر الكفار لما فيه من تكذيب الله تعالى إذ كفرهم وسماهم (كافرين).

  3. بطلان قول من قال إن إطلاق لقب (كافر) على غير المسلمين يولد الإرهاب المذموم شرعاً، وهذا باطل وممتنع، بل الواجب تنزيه القرآن عن ذلك.



  4. أن كل من لم يعبد الله وحده ولم يرتض الإسلام دينا فهو كافر ولو كان يهوديا أو نصرانياً.

  5. أن الكفار يعبدون الله تعالى لكن لما أشركوا مع الله غيره صارت عبادتهم باطلة وهي كعدمها لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار ( لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) أي الأصنام والأوثان والأولياء ثم قال (وَلَا أَنَا عَابًد مَّا عَبَدتُّمْ) أي لست عابدا كعبادتكم الشركية ولا أقبلها ولا أرضاها.



  6. أن عبادة الكفار لله تعالى لا تنفعهم لأنها حبطت بالشرك.

  7. مشروعية نداء الكفار بلقب (أيها الكافرون) للبراءة منه ومن عبادته.

  8. بطلان دعوة (وحدة الأديان) التي يتبناها بعض الدعاة هنا وهناك بين الحين والآخر قال تعالى (إًنَّ الدًّينَ عًندَ اللّهً الإًسْلاَمُ) [آل عمران-19]، وقال تعالى (وَمَن يَبْتَغً غَيْرَ الإًسْلاَمً دًيناً فَلَن يُقْبَلَ مًنْهُ وَهُوَ فًي الآخًرَةً مًنَ الْخَاسًرًينَ ) [آل عمران-85[.

  9. يستفاد من تكرار قراءة سورة (الكافرون) تاكيد التوحيد في نفس المؤمن وقلبه وتوكيد البراءة من الشرك وأهله.

  10. لا يجوز مجاملة الكفار ومداهنتهم وتسميتهم بغير ما سماهم الله تعالى به.

  11. أن سورة (قل يا أيها الكافرون) إنما تعدل ربع القرآن لاشتمالها على إخلاص الدين لله تعالى والبراءة من الآلهة الباطلة وعبادتها وعبادها.

  12. في سورة (قل يا أيها الكافرون) معنى لا إله إلا الله.

  13. المسلم يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيعبد الله وحده لا شريك له ولا يرضى بعبادة المشركين ويتبرأ منهم ومن آلهتهم.

  14. مشروعية قراءة سورة (قل يا أيها الكافرون) على لدغة العقرب.

  15. أن في قراءة سورة (قل يا أيها الكافرون) قبل النوم عندما يأوي المسلم إلى فراشه براءة من الشرك.

تفسير مختصر لسورة (الكافرون)

قوله (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) أمرٌ من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولكل من يصح أن يوجه له الخطاب أن يعلن لكل كافر على حد سواء من أي نوع من الكفار للبراءة منه ومن عبادته قوله (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) اي لا اعبد الذين تعبدونهم من الاصنام والاوثان والاولياء والصالحين وغيرهم وقوله (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) اي ولا انتم عابدون من اعبد وهو الله تبارك وتعالى قوله (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أي : لن اقبل ولن ارضى غير عبادتي ولن اقبل عبادتكم وهي (الشرك) وانتم كذلك لن تقبلوا ولن ترضوا عبادتي وهي الاخلاص قوله (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) اي لكم دينكم الذي انتم عليه وتدينون به ولي ديني الذي ادين الله تعالى به وأنا برئ من دينكم. وانتم بريؤون من ديني.



أخي القارئ الكريم هذا ما يسر الله لي جمعه فيما يتعلق بهذه السورة العظيمة والله اسأل ان يرزقني وإياك الإخلاص بالقول والعمل والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات