ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن ما ذكره الله تعالى في كتابه من قصة امرأة العزيز وما بادرت به من اتهامها لنبي الله يوسف عليه السلام بأنه أراد بها سوءا مع أنها هي التي راودته عن نفسه أمر في غاية العجب. وما أشبه الليلة لا أقول بالبارحة بل بتلك القرون السالفة والتي ذكرها الله تعالى في أطول قصة في كتابه ألا وهي سورة يوسف الصديق عليه السلام، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، فهو يوسف بن يعقوب بن اسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام. قال تعالى: ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)) (سورة يوسف - الآيتين 23ـ25).
أخي القارئ الكريم كم هو لئيم وفعله قبيح ذلك الإنسان الذي يفعل فعلته فلا يكتفي فيستر على نفسه ويبادر إلى التوبة بل يتجرأ على الآخرين فيرميهم بذنبه ويعيبهم بعيبه ولا شك أن هذا من أكبر الظلم والبهتان والأثم ، قال تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) (سورة النساء - 112). فهكذا صنعت امرأة العزيز، بادرت بالرغبة الشديدة بجميع خطوات الفاحشة وراودت يوسف عليه السلام عن نفسه فلما هرب إلى الباب لينجو بنفسه منها، ورآها زوجها سارعت بالإثم وزعمت أن يوسف عليه السلام هو الذي أراد بها سوءاً واعتداءً. إذا تذكرت هذا فانظر في حال نفسك وحال الآخرين واحذر وحذر الآخرين من مثل هذا الخلق الذميم آلا وهو اتهام الآخرين بجريرتك وعيوبك!! ولضعف الإيمان وانحدار الأخلاق وتحلل المبادئ وذهاب المروءة فكم من إنسان يتهم غيره بالكذب وهو أكذب الناس وآخر ارهابي مجرم ويتهم غيره بالإرهاب، ومنهم من يسرق ويجمع المال من غير حله ويتهم الآخرين باللصوصية ومنهم يرمي غيره بالطائفية وهو زعيمها وآخرون يتحزبون ويتعصبون ويعيرون غيرهم بالحزبية وهم أسسها وأصلها ومنهم يسيء الظن ويبني على الخيال مباني وأحكاما وتجده إذا تكلم قال إياكم وسوء الظن إن بعض الظن إثم، ومنهم من يفسد في الأرض ويسعى فيها ليهلك الحرث والنسل ويتهم أهل الإصلاح الناصحين بالفساد والإضلال. وغير ذلك كثير وكثير جدا ويكفي من ذلك ما ذكرته وعليه يقاس سائر أفعال الناس اليوم التي لا حدود لها.
والمقصود أن يراجع كل منا نفسه ويحاسبها قبل أن تُحاسب ويتحلل من المظالم التي قد يكون له منها نصيب قلَّ أو كثُر. وتدبر قول الله تعالى عن فرعون وهو يتهم موسى عليه السلام: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)) (سورة غافر ـ الآية 26)، ثم قال تعالى بعد آيتين: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)) (سورة غافر ـ الآية 29)، وهنا قيل لقد أصبح فرعون رجلاً رشيداً. فما أكثر الفراعنة اليوم!!
أخي القارئ الكريم لن تفلح حتى تتقي الله تعالى فيما تأتي وتذر وحتى تكون صادقاً في القول والعمل قبل أن تتهم الآخرين انظر في حال نفسك فهل سلمت مما تعيب به غيرك واستقمت على ما تأمر به الناس. قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) (سورة البقرة 44). ولله در أبا الأسود الدؤلي لما قال:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
أبداً وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك وانهها عن غيّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عارعليك إذا فعلت عظيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدى
بالقول منك وينفع التعليم
والله أسأل أن يوفقني وكل مسلم إلى التوبة النصوح ويحفظنا من اتهام الآخرين بما ليس فيهم والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.