بيان الفرق بين منهج النبي ﷺ ومنهج مركز صناعة المحاور
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد فإن شياطين الجن والإنس مازالوا يشككون بالله تعالى ولكن ما الجواب النبوي السني ؟ وما الفرق بينه وبين الأجوبة والأساليب المحدثة ؟
يتبين الجواب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حتَّى يَقُولَ له: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ، فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ.) رواه البخاري (3276) ومسلم (134 )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حتَّى يُقالَ: هذا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ فمَن وجَدَ مِن ذلكَ شيئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ. وفي رواية: يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خَلَقَ الأرْضَ؟ فيَقولُ: اللَّهُ...، ثُمَّ ذَكَرَ بمِثْلِهِ وزادَ: ورُسُلِهِ.) رواه مسلم
(134 ) وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يأتي الشيطانُ الإنسانَ فيقولُ من خلق السمواتِ فيقولُ اللهُ فيقولُ من خلق الأرَضِينَ فيقولُ اللهُ حتى يقولَ من خلق اللهَ فإذا وجد أحدُكم ذلك فَلْيَقُلْ آمنتُ باللهِ ورسولِه ) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (650) وصححه الألباني .
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمور الأول : الإستعاذة بالله من الشيطان لأنه هو من وسوس بهذا الوسواس فقطع الطريق عليه يكون بالإستعاذة بالله منه . فقال : ( فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ) الثاني : الإنتهاء عن الإرسترسال في هذه الوسوسة فقال : (ولينته) الثالث : الإحالة إلى الإيمان فقال : (فليقل آمَنْتُ باللَّهِ ورسوله) وهذه الأمور واضحة كالشمس بينها النبي صلى الله عليه وسلم للسلامة من وسواس الشيطان التي ترد على قلب كل أحد .
فما أعظم هذا الحديث في بيان العلاج الناجع لدحض الشبه والقضاء عليها . بينما اصحاب مركز صناعة المحاور لهم رأي آخر مخالف للهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن قبل بيان منهجهم أريد ابين للقارئ والمستمع ما معنى صناعة المحاور ؟ هذا المركز والقائمون عليه زعموا أنهم سيصنعون عشرات الآلاف من المحاورين للملاحدة ، والمتحاورون جمع ومفرده محاور على وزن (مفاعل) أي الذي يحاور الملاحدة ويجادلهم .
ولقد وقفت على تقرير لمركز صناعة المحاور ذكر فيه أن عدد الملتحقين في دوراتهم بلغ (117000) سبعة عشر ألف ومائة ألف من طبقة الشباب والشابات . والمتخرجون (15000) خمسة عشر ألف . الجامعيون منهم (81000) واحد وثمانون ألفاً وحملة الماجستير (15000) خمسة عشر ألفاً وحملة الدكتوراه (147) سبع وأربعون ومائة والباقي (19353) ثلاث وخمسون وثلاثمائة وتسعة عشر ألفاً وهؤلاء دون الجامعين .
وذكر في التقرير أنه تم تسجيل اكثر من (1735) خمس وثلاثين وسبعمائة وألف صفحة صوتية وآلاف من الصفحات والكتابات والبحوث التي يصعب حصرها وتم اجراء اكثر من (85000) خمس وثمانين ألف حوار قلت : الله اعلم بدقة هذه الإحصائية فإن كان في ذلك مبالغة كاذبة فهذه مصيبة وإن كانت الإحصائية دقيقة فالمصيبة اعظم .
فكم من شبهة مرت على قلوب هؤلاء المشتركين ؟ وماذا فعلت بهم أو بأكثرهم أو ببعضهم ؟
واعلم أن الواجب على كل مسلم أن يحرص كل الحرص على سلامة قلبه من الشبه، التي تفسد ودينه وعقيدته وعقله وذلك بالإبتعاد عن سماع ما يوحي به الشيطان إلى أوليائه، ليجادلوا به المسلمين، وليشككوهم في دينهم، قال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) سورة الانعام قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسيره : (لِيُجَادِلُوكُمْ) أي: لمجرد الجدال والتشكيك في عقائد المسلمين، لا لإحقاق الحق ولإبطال الباطل وهذا كقوله تعالى (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)( 112) سورة الانعام .
ولقد استنبط بعض العلماء فائدة نفيسة وقاعدة ذهبية من حديث الدجال الذي يخرج آخر الزمان من قوله صلى الله عليه وسلم (مَن سَمِعَ مِن الدَّجَّالِ فلينأ مِنهُ ؛ من سَمِعَ من الدَّجَّالِ فلينأ منهُ ؛ فإنَّ الرَّجلَ يأتيهِ يحسِبُ أنَّهُ مؤمنٌ فما يزالُ بِه لما معَه منَ الشُّبَه حتَّى يتَّبعَه) أخرجه أبو داود (4319) وغيره بإسناد جيد من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه ومعنى فلينأ منه أي ليبتعد عنه حتى لا يسمع منه فيفتن به!!
فالواجب على المسلم ألا يعرض دينه واعتقاده وقلبه إلى الشبه فربما خطفت قلبه شبهةٌ أو تشربها قلبه أو تشوش وتشكك بها وهذا يقع كثيرا فقد يسمع الإنسان الشبه القوية ثم يبحث عن جواب لها فلا يجده أو يجد جواباً ضعيفاً ليس بحجم الشبه، أو يقتنع بالشبهة ولا يقتنع بالجواب عليها أو يصعب عليه فهم الجواب واستيعابه لأن الشبهة والجواب عليها اكبر من مستواه ، أو لا يجد من يصيغ له الجواب بطريقة تناسبه ، أو يكون الجواب طويلاً لا يمكن حفظه أو قد يحفظه ثم ينساه أو ينسى اكثره أو بعضه فتبقى الشبه في ذاكرته دون الجواب عليها ، وماذا يفعل إذا ألقى الشيطان شبهةً جديدة لم يسبق للمحاور أن سمع بها فضلاً عن أن يعرف الجواب عليها ؟ ومن هنا تحصل الخطورة وتعظم البلية ويبدأ الزيغ والضلال . فمن ذا الذي يستوعب هذه الحقيقة ويدرك هذه المخاطر فيتوقف ولا يكابر ؟ قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى- : «إيراد الشبه إذا لم تكن قريبة لا ينبغي»، أي أن الشبه إذا لم تكن واردة على أذهان الناس وكما يقال أنها تطرح نفسها بنفسها أو تداولها الناس فلا ينبغي إيرادها ثم البحث عن الجواب عليها ، كما يفعل بعض الناس يقول : لو قال قائل كذا وكذا فكيف نرد عليه؟ ومن الناس من يورد هذه الشبه ليستعرض بمقدرته على الرد عليها وتفنيدها وهذا من عمل الشيطان ولا شك. إن العاقل لا يجازف بدينه وعقيدته فيعرض نفسه للشبهات بحجة أنه يريد محاورت الملحدين ، فالسلامة لا يعادلها شيء ولئن تسلم بنفسك أولى وأوجب من أن تنقذ غيرك .
فإذا علمت هذا عرفت خطأ وخطورة ما يفعله أصحاب مركز صناعة المحاور ومثل ذلك ما تعرضه بعض وسائل الإعلام وبعض المواقع من عقد المناظرات مع أهل البدع والأهواء والملحدين وتمكينهم حتى يقوم بعضهم بطرح ما شاء من الشبه وعامة المسلمين يسمعون، فالله أعلم كم قلب خطفت هذه الشبه! وكم مسلم تشكك بعقيدته! وكان الواجب المحافظة على سلامة القلب وصفاء العقيدة وعدم تمكين هؤلاء من نشر سمومهم وإلحادهم.
فالبعد عن الفتن وقطع حبالها مقصد شرعي عظيم ، والفتن تجتنب ولا تجتلب ، فمن سمع (ببرنامج) يشتمل على فتن فلينأ منه ، فوالله إن الشاب الزكي ليأتيه وهو يحسب أنه في مأمن فيفتن ومن قال سأجرب فلا يلومنّ إلا نفسه . وليتقوا الله تعالى اصحاب مشروع صناعة المحاور وليتوقفوا عن هذا السبيل ولا يكونوا كالذي إذا قيل اتق الله أخذته العزة بالإثم .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى إن كان في العمر بقية .
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .