موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

إذا كانت هذه الشجرة فكيف ستكون الثمرة؟!

13 ربيع الآخر 1428 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:


فما زلنا نكشف عوار أهل الأهواء والبدع، ونذب عن السنة وأهلها، وفي هذا المقال سأردُّ على ما أثاره أحد الدكاترة ويدعى الدكتور "خالد" في إحدى الكليات وسأدافع عن عقيدة المسلمين؛ عقيدة الكتاب والسنة، وأردُّ على باطل المبتدعة المنحرفة الذين لا يقيمون لنصوص الكتاب والسنة وزناً.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفر فأغفر له) [أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد باب قول الله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله) (7494)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل والإجابة فيه (758)].



أخي القارئ الكريم، هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والذي جاء بالحق وصدق المرسلين، والذي حاشاه أن يتقوَّل على الله تعالى بعض الأقاويل، فهو الصادق المصدوق، صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا الحديث تلقته الأمة بالقبول، ورواه الأئمة الثقات والعلماء الهداة، وما بدلوا فيه حرفاً واحداً إيماناً به وتصديقاً على الوجه اللائق بالله تعالى من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف. 

أما الدكتور الذي تتلمذ على مشايخ وكتب أهل الكلام، فقال للطالبات ما نصه:( أنتم مصدقين أن الله تعالى ينزل للسماء الدنيا؟ هذا يعني حددنا مكان!! بَعْدين ينزل عندنا بالكويت بالثلث الأخير، وينزل في الهند ومصر وأمريكا؟! الثلث الأخير يختلف من مكان لآخر لازم نؤول) انتهى كلامه.



أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، خابوا وخسروا إن لم يصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بأن الله تعالى ينزل، ولم يبين لنا قصده سوى ظاهر كلامه، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه (لازم نؤول).

 التأويل شر من التعطيل


أخي القارئ الكريم، وفقك الله للحق، لَيْتَهم قالوا - أعني الدكتور وغيره -: (كلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، والحديث مردود أو ربما هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قالوا ذلك لظهر أمرهم، لكنهم يستعملون عبارات خفية مفادها إنكار وتعطيل ما لله من صفات الكمال والجلال، ورد الأخبار الصحيحة التي في الصحيحين وغيرها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تحت مسمى (التأويل)، وبحجة (التنزيه) وهو في الحقيقة التحريف والتعطيل.

سبب انحراف هؤلاء


أخي القارئ العزيز، هل تعلم سبب انحراف هؤلاء القوم؟ 
لا شك أن السبب هو البحث عن كيفية صفات الخالق جل وعلا، فما أن يسمعوا نصاً فيه صفة لله تعالى إلا وقالوا كيف يتصف الله تعالى بهذه الصفة؟ وكيف يفعل الله تعالى بهذه الصفة؟ فظنوا أن الخالق كالمخلوق، وكل ما كان مشكلاً في حق المخلوق ظنوا أنه مشكل في حق الخالق!!
 


بيان تاريخ هذه الشبهة


عن سفيان قال: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فسأله رجل فقال: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وفي لفظ آخر قال: ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. قال الذهبي في كتاب "العلو" (65/1) هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي ومالك الإمام وأبي جعفر الترمذي.
وقال ابن القيم في كتاب (اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية): وربيعة شيخ مالك بن أنس رحمه الله، وأورد في الكتاب نفسه هذا القول عن مالك، وأخرج البغوي في (شرح السنة): قال مالك: إياكم والبدع، قيل: وما البدع؟ قال: أهل البدع هم الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وأيضا أخرج البغوي في (شرح السنة) سأل رجلٌ الإمامَ مالكاً عن قوله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً، وأمر به أن يخرج من المجلس، كذلك أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [فصل إثبات الأفعال اللازمة كالاستواء والمجيء...] الروايات نفسها لكن بزيادة (فأطرق مالك رأسه ملياً وعلاه الرحضاء.



أخي القارئ، عافاني الله وإياك من كل بدعة، هل عرفت تاريخ هذه البدعة؟ لقد ظن هؤلاء بالله ظن السوء، فقاسوا الخالق على المخلوق، ومن هنا قالوا لو قلنا ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فإنه ستقله، والسماء الثانية ستظله!! والحق أن هذا ليس بلازم أبداً؛ لأن الله تعالى (ليس كمثله شيء) فهو ينزل إلى السماء الدنيا مع علوه واستوائه على عرشه، ولا يلزم منه حده بحد، ولا غير ذلك من لوازم المخلوقين.



أخي القارئ، كل الناس يعلم أن المخلوق لا يمكنه سماع عدد من الناس إذا تكلموا في لحظة واحدة، وبلغات مختلفة، وأصوات متفاوتة، ومواضيع مختلطة، فهل يقال كيف يسمع الله تعالى الخلق من ملائكة وإنس وجن وحيوانات وطيور وأسماك وديدان وعناكب وجمادات وغيرها في آن واحد؟! لا يقول ذلك مسلم. لماذا؟ لأن الله تعالى (ليس كمثله شيء) فله من صفات الكمال والجلال والعظمة والجمال ما ليس للمخلوق، وهكذا سائر صفات الله تعالى؛ كصفة النزول والاستواء والمجيء والغضب والرضا والضحك والفرح وغيرها مما لا يحصى ثابتة لله تعالى كما في كتابه، وكما ثبت في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، على الوجه اللائق به، من غير مماثلة لصفات المخلوقين، ولا نحيط بها علماً، فلا نعرف كيف يتصف بها، ولا نسأل كيف اتصف بها بل نؤمن بذلك كله إيمانا لا ريب فيه، والأمر واضح بينٌ ظاهر، والحمد لله لا يلتبس على مسلم سَلَمت فطرته من التلوث، وعقيدته من الهوى والفلسفة الكلامية، كما هو الحال عند جميع أهل الأهواء والبدع.



تحريف أهل البدع لحديث النزول



تجرأ أهل البدع كعادتهم على نصوص الكتاب والسنة، فحرفوا الكلم عن مواضعه، فقالوا حديث (ينزل الله)، وفي لفظ (ينزل ربنا) أي تنزل رحمته أو ينزل أمره، أو ينزل ملك من ملائكته. أقول: وقد ردَّ عليهم أهل السنة، وكانوا لهم بالمرصاد، فقالوا: لقد كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين!!



المرة الأولى: لَمَّا قلتم «ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل حقيقة بذاته».

والمرة الثانية: لما قلتم «إنما أراد ينزل شيء آخر وهو كذا وكذا».



انظر أيها القارئ الكريم، كيف كذبوا على الله ورسوله ثم اضطربوا واختلفوا كعادتهم، فمنهم من قال تنزل رحمته، ومنهم من قال ينزل أمره، ومنهم من قال ينزل ملك من ملائكته، وهذا كله باطل، وسياق الحديث يأباه، فكيف يقال لا تنزل الرحمة إلا في الثلث الأخير من الليل؟! وهل العباد يستغنون عن رحمة الله طرفة عين؟! ثم نقول: لايمكن أن تقول الرحمة: هل من سائل، هل من مستغفر؟! هذا لا يمكن إلا لله، وكذلك لا يستقيم لو قيل ينزل أمره أو ملك من ملائكته؛ لأن الذي يُدعى فيستجيب، ويُستغفر فيغفر؛ هو الله تعالى لا أمره ولا ملائكته فتنبه لهذا.

من أين دخلت هذه الشبه على الدكتور؟


إذا عُرِفَ السبب بَطَلَ العجب، فالدكتور من أبناء قبيلة معروفة، وأهل فطرة سليمة، وأعرفه قديماً لما كان طالباً في ثانوية الرابية، وكنت مدرساً في الثانوية نفسها، وهو على خلق وتدين واستقامة، 
لكن بعد ذلك تعرَّف على صاحب هوى، مشهور بكثرة شبهه، وتعرَّف على غيره من أهل البدع والضلال، وتأثر بهم حتى أخذ يطرح من هذه الشبه وأمثالها، ولا شك أن مجالسة هؤلاء خطر كبير على عقيدة المسلم.



أخي القارئ، حفظني الله وإياك من الضلالات، هل تدري من أستاذه وشيخه؟! إنه ذلك الذي طالما ظهر على وسائل الإعلام بطامات يرقق بعضها بعضاً!! ذلك المعروف ببغضه لعلماء أهل السنة من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله تعالى. فتارة يقول الطواف بالقبور ليس عبادة لها، كما أن الطواف بالكعبة ليس عبادة لها، وتارة يقول الطواف بالقبور ليس شركاً كما لو طاف أحد بالملعب سبعة اشواط، وتارة يقول عن ذلك الهالك الأثيم ابن عربي النكرة الدمشقي إنه كالطود العظيم، وتارة يقول للمسيحي أن يكون مسلماً، وللمسلم أن يكون مسيحياً!!
 وتارة يقول إذا أردنا التقارب بين السنة و(الشيعة) فعلى السنة ألا يسبوا آل البيت علياً والحسن والحسين!!

سبحان الله، (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) منذ متى وأهل السنة يسبون آل البيت؟ وهم الذين يصلون عليهم في كل صلاة، فريضة أو نافلة أو جنازة أو غيرها!!



أخي القارئ، إذا كان هذا وأمثاله مشايخ الأخ الدكتور وأساتذته، فكيف تتوقع أن تكون عقيدته؟!

فإذا كانت هذه الشجرة؛ فكيف ستكون الثمرة؟!

واللهَ اسأل أن يهديه إلى الحق، وأن يوفقه إلى التوبة النصوح، وأن يرجع إلى فطرته وعقيدته متخلياً عن هذه المجموعات المعروفة عروقها وأساسها.



أخي القارئ، تابعنا في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى في الدفاع عن السنة والرد على أهل الأهواء الذين كثروا في هذه الأيام لا كثرهم الله.



والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات