لن أسكت عن المخالف
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد كتبت في المقالات الثلاث الأخيرة عن حكم العمليات الانتحارية وكانت بعنوان "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وكان للمقالات ردة فعل كبيرة عند المخالفين فمارسوا ضغوطات وأرسلوا إليَّ رسائل وتهديدات كل ذلك بغية أن "اسكت" عنهم ولا أكشف عوراتهم ولا انتقد مناهجهم حتى بلغ الأمر بكبير لهم ـ هو أحد مراجع هذه الفئة ـ أن رفع عليّ قضية سماها "إزعاج بالهاتف وتشهير" وساومني على أن يتنازل عن القضية مقابل أن "اسكت" عنه وأنّى له أن "اسكت" عن باطل طالما نشره وأيّده ثم سرعان ما يروغ كما يروغ الثعلب فيقول ما قلت وما فعلت وما قصدت!!
أخي القارئ الكريم ذكر ابن مفلح المقدسي الحنبلي رحمه الله في كتابه "الآداب الشرعية" [1/207] عن الإمام أبي إسماعيل الهروي أنه قال: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك ولكن يقال لي: اسكت عمن خالفك فأقول: "لا اسكت". نعم كلما تذكرت همة هذا الإمام تشجعت في الاستمرار والمضي بالتحذير من أهل البدع والمخالفين مستعيناً بالله تعالى متوكلاً عليه لا سيما أن جهاد هؤلاء من أعظم الجهاد بل هو أعظم من جهاد السنان لأنه جهاد أهل العلم الذي لا يحسنه غيرهم وهو خير من نوافل العبادة. قيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل [مجموع الفتاوى ـ 28/231].
أساليب لم تعد تخفى
أخي القارئ الكريم كلما تذكرت الأمهات الثكالى اللاتي يبكين أبناءهن والآباء الشيوخ الذين خابت آمالهم والايتام الذين حرموا عطف آبائهم، كلما تذكرت هؤلاء عزمت على الاستمرار في التحذير من الرؤوس المنظرين الذين يهيجون الشباب المغرر بهم ثم ينفون عن أنفسهم أنهم صنعوا شيئا فنجدهم يقولون "نحن لم نقل"، "نحن لم نرسل أحدا"، "نحن مسؤولون عن كلامنا لا عما فهمه الناس منا"، أساليب روغان لم تعد تخفى على من له أدنى بصيرة. يقول بعض المنظرين: "الجهاد ليس من شروطه أن يستأذن ولي الأمر، بعض الفقهاء قال يجب لكن ليس بشرط"، ويقول أيضا "الاستئذان يكون في جهاد الطلب لا جهاد الدفع"، ويقول: "يستأذن في الجهاد من يؤمن بالجهاد ويقر به ويعلم قدره ويعرف منزلته لا من أبطله وأفسده وحرفه هذا لا يستأذن" انتهى كلامه.
أقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب أن كلام هذا "المنظر" فيه تلبيس كبير على الشباب المتحمس والمتهور أحيانا كثيرة. فقوله "الجهاد ليس من شروطه أن يستأذن ولي الأمر" هذا ليس على إطلاقه وذلك كما لو كان في المسلمين ضعف أو بينهم وبين الكفار عهد فكيف يسوغ لأحد أن يذهب ويجاهد من غير إذن ولي الأمر؟! ثم هل يصلح إطلاق هذا الكلام على المنابر وفيهم العامة والصغار الذين "أجزم" بأن نسبة ٩٩٪ منهم لا يعرفون ما الفرق بين الشرط والواجب ولا الفرق بين جهاد الطلب وجهاد الدفع أليس كذلك؟! فكيف رضي هذا "المنظر" لنفسه أن يطلق هذه العبارات التي لا تبلغ عقول بعضهم إلا كانت لهم فتنة. وأما قوله "الاستئذان يكون في جهاد الطلب لا جهاد الدفع"، ماذا يفهم الشاب الصغير الذي يرى الكفار قد احتلوا بعض البلاد التي يقال عنها إسلامية ـ مع أن عدد الكفار فيها قد يفوق عدد المسلمين هل الجهاد هناك جهاد دفع أم طلب؟! الجواب الذي لا جواب سواه هو جهاد دفع لأن العدو جاء عبر القارات واحتل البلاد فلا شك هذا الجهاد جهاد دفع إذن يلزم من كلام "المنظر" هلّم يا شباب للجهاد فهو جهاد دفع لا يحتاج إلى إذن الإمام. والعجيب يقول "المنظر" بعد تقريره هذا على المنبر إني لا اقول للناس اذهبوا إلى بلد كذا وكذا للجهاد وإني غير مسؤول عن ذهاب من ذهب!!
وأما قول "المنظر": (يستأذن في الجهاد من يؤمن بالجهاد ويقر به ويعلم قدره ويعرف منزلته لا من أبطله وأفسده وحرفه هذا لا يستأذن). فأقول: لو قال له شاب متحمس: أين الإمام أو الحاكم أو ولي الأمر الذي يؤمن بالجهاد، ويقر به ويعلم قدره ويعرف منزلته؟! فماذا سيكون جوابه؟! فإن قال لا يوجد فهذا منه تكفير لجميع الحكام لأن الذي لا يؤمن بالجهاد كافر إذ كيف يتصور من مسلم لا يؤمن بذروة سنام الإسلام. والعجب العجاب في هذا "المنظر" أنه يقول "أنا لا أكفر" ثم يصدر منه مثل هذا الكلام!! آمنا بالله لو سلمنا أنك لا تكفر كما تزعم فماذا يفهم الشباب الصغار من كلامك؟ فهنا سؤال يطرح نفسه نريد جوابه صريحا، ما حكم من أبطل الجهاد وأفسده وحرفه ولا حق له بالاستئذان؟! فإن قلت: مسلم تناقضت وإن قلت: كافر فلماذا تقول إنك لا تكفر؟! كان الواجب أن تبين بيانا واضحا حتى يفهم منك إنك لا تكفر أما أنك تفهم الناس شيئا وتزعم عن نفسك شيئا آخر فهذا لا يقبل منك بحال، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه...» [رواه البخاري كتاب العلم باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه (95)].
من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته
جرى بيني وبين أحد "المنظرين" للجهاد المزعوم الذي عرف به وبالاكثار من الكلام فيه مكالمة هاتفية هو من بدأ الاتصال!! قلت له: أنت ممن يفتي للشباب بالذهاب للقتال ولذا أنا أحذر منك. فقال: أنا لا أقول لأحد اذهب للجهاد. قلت: ماذا تقول بفلان ذلك الضال المضل الذي يظهر في وسائل الإعلام ويقول الأمور تبشر بالخير وفصائل الجهاد الإسلامي الأربعة قد اتفقت وأمريكا قد فشلت عسكريا واقتصاديا وسياسيا.... إلخ كلامه. فقال: فلان عنده خطأ وصواب. قلت: كل الناس عندهم خطأ وصواب ليس عن هذا اسأل فأنا لا أنكر عليه لأنه يصلي ويصوم لكن اسألك ما رأيك بفكره هذا وقوله بالجهاد في العراق؟ فهو متورط ومشهور بما يعتقد. فقال: لقد برأته المحكمة. فقلت له: السلف يقولون: "من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته". فأرسل لي رسالة يقول فيها: "هذه المقولة تعارض القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فالنصوص في اجتناب الظن وحفظ الأعراض لا تجهل وأما السنة ففي صحيح مسلم من حديث عتبان في حديث طويل في كتاب المساجد برقم (1496) وفي الحديث "فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي وجه الله"، فهذا صحابي يود المنافقين كما في رواية أخرى ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض له، وأما القاعدة الذهبية من أخفى بدعته فنحن ننتظر الأدلة عليها من الكتاب والسنة" انتهت رسالته.
اخي القارئ الكريم انتظر أنت أيضا في مقالي القادم إن شاء الله تعالى إذا كان في العمر بقية. الجواب على حديث "عتبان" رضي الله عنه مع بيان أن قول الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى "من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته" لا ينافي القرآن والسنة والإجماع كما يقول ذلك المنظر المتعالم.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.