أنواع الجهاد في سبيل الله سوى القتال
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الجهاد في سبيل الله تعالى ذروة سنام الإسلام ومن أعظم وأجل القربات إلى الله تعالى بلا خلاف ولا نزاع ولما كان الجهاد مطلبا لكثير من الشباب المسلم المتحمس استغل حماسهم بعضُ المنظرين من أصحاب المناهج المنحرفة كما استغل جهلهم وحبهم للخير وطمعهم بالأجر والثواب ونيل رضا الله والنجاة من العقاب أحببت أن أذكر نفسي وإياهم بأنواع من الجهاد لا تَقِّل أهمية وفضلا عن القتال في سبيل الله تعالى، لا سيما في حال العجز عن القتال، قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ) [الفتح ـ 17] وقال تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [التوبةـ 91] فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل وإليه أنيب.
[1] الجهاد بالمال
إنفاق المال في سبيل الله قرين للجهاد بالنفس كما ذكر الله تعالى ذلك في مواضع كثيرة في كتابه كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [الصف: 11ـ10]. والآيات كثيرة معلومة والأكثر تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.
[2] جهاد النفس
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"المجاهد من جاهد نفسه في الله" [رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني6555 صحيح الجامع]. ومجاهدة النفس تكون بحملها على طلب العلم والتفقه في الدين والعمل الصالح والدعوة إلى الله تعالى والصبر في سبيل ذلك، قال تعالى (وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورةالعصر].
[3] جهاد الشيطان
إن أعدى أعداء بني آدم الشيطان الرجيم قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطرـ 6]. وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [البقرةـ 168]، فأمر الله تعالى أن يتخذوه عدوا والعدو لا بد من جهاده والحذر من كيده وخطواته وتزيينه وزخرفته وحباله وشباكه ودعوته. ولقد كتب ابن القيم رحمه الله تعالى كتابا كبيرا نافعا سماه إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان بين فيه ما فعله الشيطان في الناس وما زال يفعله وكتب ابن الجوزي كتابا في الباب نفسه سماه تلبيس إبليس. والمقصود أن جهاد الشيطان من أعظم الجهاد المفروض على كل مسلم.
[4] جهاد المنافقين
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم ـ 9]، ولما كان المنافق يظهر الإسلام ويبطن الشرك ويظهر الخير ويبطن الشر، فلا يمكن جهاده بالقتال كما يجاهد الكافر وذلك لأنه بظاهره يستحق أن يعامل معاملة المسلمين لكن له علامات يعرف بها. وجهاد المنافقين يكون بمناقشتهم وإقامة الحجة عليهم وبيان باطلهم والتحذير منهم. وجهاد النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين مشهور ومعلوم.
[5] جهاد أهل البدع والأهواء
البدعة قرينة الشرك وخطرها عظيم وخطر المبتدع لا يقل عن خطر الكافر واحياناً يفوق خطر الكافر وإذا كان المشرك ينقض شهادة ان لا إله إلا الله فالمبتدع ينقض شهادة ان محمدا رسول الله بل قلما يسلم المبتدع من التلبس بالشرك وربما يكون الابتداع في الدين من جنس الشرك لقوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) [الشورى ـ 21]، ويكون جهاد أهل البدع ببيان السنة وتقريرها ونشرها والرد على بدعهم وضلالاتهم وتفنيد شبههم وهذا النوع من أعظم الجهاد في سبيل الله تعالى بل هو جهاد العلماء وطلبة العلم ولا يطيقه ولا يحسنه إلا الراسخون في العلم.
[6] جهاد المشركين الذين ينتسبون للإسلام
أعني بهم أولئك الذين يعبدون الأولياء والصالحين فهم وإن كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله إلا أنهم ينقضونها صباح مساء، فيدعون غير الله ويذبحون لغير الله وينذرون لغير الله، قال تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) [الزمرـ 45] وجهاد هؤلاء يكون بالتمسك بالتوحيد ونبذ الشرك وأهله وبيان بطلان عبادة الأولياء والصالحين وبيان شركهم وكشف حقيقتهم والحكم عليهم بما يناسبهم وتعليم جاهلهم ودحض عالمهم. وهذه الفئة كبيرة جدا اليوم في بلاد المسلمين ومنتشرة فلا بد من الجهاد ببيان حقيقة التوحيد وفضله وشروطه ونواقضه ومنقصاته ولا بد من الجهاد ببيان الشرك ومعناه وأنواعه ولا بد من التحذير منه وهذا أيضا من أعظم الجهاد في سبيل الله تعالى.
[7] جهاد المفسدين في الأرض
المفسدون في بلادنا وفي سائر بلاد المسلمين كثيرون لا كثرهم الله!! قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدةـ 33]، فهؤلاء يقطعون الطرق ويروعون الآمنين ويسفكون دماءهم ويأكلون أموالهم ويهتكون الأعراض وينشرون الفساد ويأمرون بالفواحش ويأتون بالمنكر إلى بلاد المسلمين قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [النورـ 19]، فكيف لا تكون محاربة تجار المخدرات والمسكرات من الجهاد في سبيل الله؟!
[8] من الجهاد في سبيل الله كلمة حق عند سلطان جائر
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" [رواه أحمد وغيره ـ 1111 صحيح الجامع]. وروى الحاكم في مستدركه من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" [3569 صحيح الجامع]. فهذه نصوص صريحة في بيان نوع من أنواع الجهاد.
[9] جهاد المرتدين
وهذا الذي حاز فضله أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومن معه والصحابةوالتابعين ولولا الله تعالى ثبتهم في جهادهم للمرتدين لما وصل إلينا الإسلام فهو جهاد عظيم أيضا.
[10] الجهاد ببر الوالدين
بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله الذي هو "القتال" فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال:"الصلاة على وقتها"، قلت: ثم اي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" اخرجه البخاري[527] ومسلم [85]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: اقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابايعك على الهجرة والجهاد ابتغي الأجر من الله، قال: "فهل لك من والديك أحد حي؟" قال: نعم بل كلاهما، قال:" فتبتغي الأجر من الله تعالى؟" قال: نعم، قال:"فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما" اخرجه مسلم [2549]. وفي رواية لهما "جاء رجل يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"
[11] الحج جهاد المرأة والجبان والضعيف
حتى للمرأة جهاد سوى القتال كما روى البخاري في صحيحه[رقم 1861] لما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال:" لَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور" وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف، فقال:"هلم إلى جهاد لا شوكة فيه، الحج" [رواه الطبراني في الكبير والأوسط وعبد الرزاق وصححه الألباني في الترغيب والترهيب ـ 1098].
[12] السعي على الأرملة والمسكين
ويا ليت الذين يسفكون دماء الأبرياء وورطوا المسلمين بالحروب الخاسرة مع الكفار يا ليتهم اجتهدوا بأموالهم وجهدهم على الأرامل والمساكين وما أكثرهم في بلاد المسلمين فإن هذا كالجهاد في سبيل الله لحديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار" اخرجه البخاري [5353] ومسلم [2982].
اخي القارئ الكريم هذا ما يسر الله جمعه في هذه الذكرى لي ولك والله أسأل أن يوفقني وإياك وجميع المسلمين إلى ما فيه الخير والسداد. والحمد لله أولا وآخراً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.