الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد نشرت جريدة «الوطن» بتاريخ 6 رمضان 1430الموافق 27/ 8/ 2009 في العدد 12082/ 6528 السنة 48 في صفحة رمضان كريم التي هي من إعداد الأخ/ عبد الحفيظ عبد السلام في الحلقة السادسة من فقه المناظرات في الإسلام وسبقها 5 حلقات تضمنت مناظرة بين الصحابيين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما .
وهذه الحلقات كتبها الكاتب/ حسن عبد الله .
أقول: هذه المناظرة بحوارها الطويل وبذلك الأسلوب الشائق والممتع أحيانا لم يسندها الكاتب ولم يبين صحة ما اخبر به عن الصحابة رضي الله عنهم، بل نستطيع أن نجزم بأن تفاصيل تلك المناظرة لم تقع بل هي حوار ساقه بعض الأدباء بأسلوبه الخاص!
نعم هذه الحقيقة واكبر دليل على ذلك أن الكاتب اعتمد في نقله لتلك المناظرة على كتاب عبقرية خالد للعقاد وكتاب «الخلفاء الراشدون» لطه حسين وكتاب أعظم حوار ديموقراطي للدكتور عبد السلام السكري وكتاب رجال حول الرسول لخالد محمد خالد، كما صرح الكاتب حسن عبد الله نفسه في نهاية المناظرة عند ذكره للمصادر، وكان الواجب على الكاتب إذا أراد أن يكتب عن الصحابة أن يتحرى الروايات الصحيحة الثابتة بالأسانيد ويوردها كما هي من غير زيادة ولا إضافة.
ماذا فعل هؤلاء الكتاب؟
الكاتب الأديب كالشاعر يبحث عن موضوع يكتب فيه فإذا وقف على حقيقة أو فكرة أخذ يبلورها ويزيد ويضيف وينقص ويحرف حتى يخرج كتاباً يمتع فيه القارئ والمستمع وهكذا فعل هؤلاء الكتاب في قصص الصحابة بل وقصص الأنبياء أحياناً وهذا تماما الحال ما نقله الكاتب حسن عبدالله عن قصة عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد رضي الله عنهما والمناظرة التي دارت بينهما.
ما الواجب تجاه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟
أولاً: أن لا ننقل عنهم إلا ما ثبت بالنقل الصحيح وبالأسانيد الموثوقة وذلك لأنه لا سبيل لنا أن نعرف عنهم وبيننا وبينهم قرون سوى هذا السبيل.
ثانيا: أن نمسك عما وقع بينهم من الفتن والخلافات لحديث ثوبان وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ذكر أصحابي فامسكوا وإذا ذكرت النجوم فامسكوا وإذا ذكر القدر فامسكوا ) رواه الطبراني في الكبير ( 2/1427 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (34).
ثالثا: أن نذب عنهم كل ما يسيء إليهم بوجه من الوجوه.
أهمية النقل بالأسانيد
الأسانيد ومفرده الإسناد هو سلسلة الرجال أو الرواة الذين ينقلون الحديث أو الخبر كل راو عمن فوقه إلى منتهى السند أي إلى القائل أو الفاعل، وبحمد الله تعالى امتازت هذه الأمة بالأسانيد وهي السبب الذي حفظ الله تعالى به دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وقد وضع العلماء والمحدثون قواعد وضوابط لنقل الأحاديث والأخبار كما وضعوا شروطا يجب أن تتوفر في الراوي كالضبط والعدالة حتى يقبل خبره واشترطوا اتصال السند وسلامة الخبر من الشذوذ والعلة، كما صنفوا كُتُباً كثيرة في أسماء الرجال وسيرهم وبيان حال كل واحد منهم من حيث قبول روايته من عدمها ووضعوا ما يسمى بعلم الجرح والتعديل وكل تلك الجهود التي لا يحصيها إلا الله عز وجل كانت ومازالت إنما بذلت للمحافظة على دين الله تعالى.
مقدمة الإمام مسلم بن الحجاج لكتابه الصحيح
لما جمع الإمام مسلم في كتابه الصحيح جملة عظيمة من الأحاديث الصحيحة وضع له مقدمة طيبة نافعة وذكر فيها آثارا واقوالاً لبعض أئمة الإسلام والمسلمين الذين بينوا أهمية الأسانيد وإليك منها طرفا يسيرا قال رحمه الله تعالى: باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة.
عن محمد بن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
وعن عبدالله بن المبارك قال: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. انتهى
ملاحظتان على المناظرة
هناك ملاحظتان على المناظرة التي كتبها الأخ حسن عبد الله سوى كونها بلا أسانيد ولم يستوثق من صحة ما نقل، الملاحظتان هما:
الأولى: في المناظرة والحوار ألفاظ كثيرة وأساليب أكثر فيها إساءة للصحابة يستطيع القارئ النبيه أن يجزم بلا صعوبة ولا مشقة بأن من المستبعد جدا أن يكون الصحابة بهذا المستوى الذي ذكره.
الثانية: الكاتب حسن عبد الله هداه الله في مقالاته الستة لم يذكر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترض عن الصحابة إلا نادرا !!
المناظرة خلت من العزو إلى المراجع
كاتب المناظرة الأخ حسن عبد الله لم يعز إلى المراجع بالتفصيل فلم يذكر الصفحة والمجلد ليتأكد القارئ من صحة المعلومات التي ذكرها وإنما اكتفى بذكر أسماء لبعض الكتب وهي:
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
الاستيعاب لابن عبدالبر.
الطبقات الكبرى لابن سعد.
تاريخ الخلفاء للسيوطي.
وهذه بمجموعها قرابة ثلاثين مجلدا وليس فيها تلك المناظرة بسياقها الطويل والتي سطرها في ست حلقات بل الأقرب أن جُلَّ ما نقله هو مما كتبه العقاد وطه حسين ونحوهما مما بضاعته في الحديث مزجاة، بل لا علاقة لهم بعلم الرواية والدراية وإنما كتّاب وأدباء سمحوا لأنفسهم أن يصيغوا سيرة للصحابة من نسج الخيال.
والله اسأل أن يوفقني والمسلمين إلى الحق والتمسك به والحمد لله أولاً وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.