يُقْضَى على المرءِ أيامَ محنتِهِ حتى يَرَى حَسَناً مَا لَيْسَ بالحَسَنِ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن من أعظم العقوبات التي يعاقب الله تعالى بها أهل الضلال والإعراض أن يطمس على بصيرتهم فيرون الحق باطلاً والباطل حقاً فهم كالمريض الذي يذوق العسل فيجد طعمه مراً. إذا عرفت هذا أدركت حال كثير من أهل الزيغ والضلال من المشركين واليهود والنصارى وأهل الأهواء والبدع قال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)]سورة القمر]، فلقد طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية" فانشق القمر فرقتين وهم ينظرون إليه فما زادهم ذلك إلا إعراضاً ونفوراً، وزعموا أن هذا سحر زائل. وقال تعالى (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) [الأنعام- 7]. فانظر يا رعاك الله حال هؤلاء بسبب ما أصيبوا به من فتنة أعمت أبصارهم وبصائرهم فحالت بينهم وبين قبول الحق فركبتهم العصبية وحرموا من إتباع الحق. وهذا كما في قوله تعالى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ145الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ146) [سورة البقرة]، وهذا كثير في القرآن الكريم.
"اليهود قوم بهتٌ"
روى البخاري في صحيحه (3938) عن أنس رضي الله عنه أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو أمه؟، قال: أخبرني به جبريل آنفاً، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهتٌ فأسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟"، قالوا: خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام"، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا وتنقصوه، قال: هذا كنت أخاف يا رسول الله. أ.هـ
سبحان الله هكذا حالهم قديما وحديثا وحال أفراخهم وأتباعهم يظهر لأحدهم الحق ويأبى إلا أن يتبع هواه. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.