موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

العبادة غير المشروعة كعدمها

4 رجب 1429 |

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله تعالى خلق الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له ولا سبيل لهم لعبادته إلا أن يرسل إليهم رسولاً اصطفاه من خيرة خلقه وجعله على صراطه المستقيم فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.

ثم اعلم أخي المسلم وفقك الله لهداه أن الأصل في العبادة التحريم، أي حرام عليك أن تعبد الله وتتقرب إليه إلا بعبادة شرعها لعباده وأرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم والأصل في هذا قوله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر- 7]، وقوله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [أخرجه البخاري(2697) ومسلم(1718)] من حديث عائشة رضي الله عنها.

إذا علمت هذا وتقرر عندك فاعلم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم "فهو رد" أي مردود على صاحبه لأن العبادة غير المشروعة كعدمها، فمن صلى صلاة على غير أمر الله ورسوله فهو كمن لم يصل، والدليل ما رواه البخاري (793) ومسلم (397) عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".

وهذا الحديث يُعرف عند المحدثين والفقهاء بحديث المسيء في صلاته وفيه فائدة قيّمة وهي أن الرجل لما صلى صلاة غير شرعية إذ لم يطمئن فيها كانت كعدمها لذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويصلي فصلى ثلاث مرات وكلما صلى قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل!

سبحان الله الرجل صلى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له إنك لم تصل وذلك لأن صلاته غير شرعية فهي كعدمها. وهكذا من تقرب إلى الله تعالى بعبادة قد اجتهد بها وبنية حسنة لكنه تجاوز سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لا تزيده من الله إلا بعداً فقد روى البخاري (5063) ومسلم (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل ابدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج ابدا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"، ومعنى تقالوها أي وجدوها قليلة في نظرهم!!

فما أعظم هذا الحديث في هذا الباب فلم يشفع لهم حبهم للخير ولا رغبتهم في الزيادة ولا طمعهم بالأجر ولا حسن نياتهم ولا غير ذلك لذا قيل: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. لذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم زيادة هؤلاء على سنته لأن الزيادة في العبادة كالنقص فيها ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن نياتهم ولم يشفع لهم اجتهادهم لما خالفوا سنته صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري (6704) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه". فهذا ابو إسرائيل ومعناه بالعبرية - أبو عبد الله- نذر أربعة أمور أن يقوم ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم المُحْدَث الذي لم يأذن له أن يعبد الله تعالى به وأمره أن ينقضه وأقره على المشروع وهو "الصوم". فهل بعد هذا يبقى شك عند من أراد الحق وابتغاه أن العبادة لا تكون مقبولة إلا إذا كانت على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إخلاص الدين كله لله تعالى.

أخي القارئ الكريم تسلح بالأحاديث الثلاثة التي ذكرت لك نصها وتخريجها حتى تواجه بها أهل البدع والأهواء فإنهم لا يغلبونك ما دمت متسلحا بالعلم مستعداً لبيان الحق ورد الباطل بالدليل والبرهان.

وفق الله جميع المسلمين إلى العلم النافع والعمل الصالح والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات