لله أرحم بعباده من الأم بولدها
الحمد لله الحي القيوم الذي لا يموت والإنس والجن يموتون والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى له صفات الكمال والجلال وله الحكمة البالغة وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقضاؤه لعبده المسلم كله خير أهل للثناء والمجد يحمد على كل شيء ورحمته وسعت كل شيء فهو أرحم بعباده من الأم بولدها. روى البخاري (5999) ومسلم (2754) في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار). قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها(.
أخي القارئ الكريم ما أعظم هذا الحديث في بيان سعة رحمة الله تعالى، فوالذي نفسي بيده كلما تذكر المسلم هذا الحديث زاد رجاؤه برحمة أرحم الراحمين.
أخي القارئ وفقني الله تعالى وإياك إلى طاعته في الأسبوع الماضي بينما أكتب مقالي الأسبوعي لـ «الإبانة» تلقيت اتصالاً يحمل خبراً مأساوياً أخبرني المتصل أن الأخ المغفور له بإذن الله تعالى (ماهر بن فهد الساير) قد توفي في حادث مروري راح ضحيته معه كل من زوجته أم فهد وأبنائه فهد ويوسف وعثمان وابنته نسيبة رحمهم الله تعالى وأسكنهم جنات النعيم. تذكرت حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لله أرحم بعباده من هذه- أي الأم- بولدها» فقلت سبحان الله الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، قدَّر عليهم بهذا الحادث فنرجو لهم الخير ولعل الله تعالى اختارهم إلى خير مما هم فيه، ولعل ثمَّ منزلة أو درجة عنده تعالى لن ينالها هؤلاء إلا بهذه المصيبة ولن ينالها أهلهم إلا بهذا البلاء فلله الحمد في السماوات والأرض وفي الدنيا والآخرة.
المؤمنون شهداء الله في الأرض
روى البخاري في صحيحه (2642) ومسلم في صحيحه أيضا (949) عن أنس رضي الله عنه قال: «مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال: (وجبت). ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرا، أو قال: غير ذلك، فقال: (وجبت). فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت؟ قال: «شهادة القوم، المؤمنون شهداء الله في الأرض»، هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «مر بجنازة فأثني عليها خيرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «وجبت وجبت وجبت»، ومر بجنازة فأثني عليها شرا. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «وجبت وجبت وجبت». قال عمر: فدى لك أبي وأمي! مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة. ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض».
بشارة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أن أخي ماهراً وزوجته وسائر أسرته الكل فيما أعلم يثني عليهم خيرا وقد عرفوا بالاستقامة والديانة وحسن الخلق فعن نفسي وعن كثير ممن عرفتهم وسمعت بعضهم نشهد بأنهم كانوا على خير وما علمنا عنهم إلا خيراً والله تعالى وحده نسأل أن يتولاهم برحمته ويدخلهم جنته إنه سميع عليم.
بشارة أخرى
عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال كريب: «انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون، قال: نعم، قال: أخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه» (رواه مسلم- 948). وبحمد الله وتوفيقه شهد جنازة الأخ ماهر وأسرته جمع غفير والله نرجو أن يتقبل دعاءهم فيه.
ولا يسعنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله تعالى لهم الجنة ولأهلهم الأجر والثواب وأن يربط على قلوبهم ويأجرهم في مصيبتهم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.