من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته
هذا غش للشباب وعذاب لأولياء الأمور
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى، أما بعد:
فما زلنا مع شبهات أحد المتعالمين من المنظرين لفكر الجهاد المزعوم اليوم، فأقول و بالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب.
اعلم أخي القارئ الكريم أن هؤلاء المنظرين لفكر الجهاد عادةً لا يظهرون بالصورة فتجدهم يحثون الشباب على الجهاد وربما هيأوا لهم سبل الذهاب ثم يقولون لم نفعل شيئا ولم نأمر أحدا بالذهاب إلى الجهاد. وإليك اخي القارئ كلام عجيب للشيخ العلامة صالح بن فوزان آل فوزان في هؤلاء وَرَدَ في معرض اجابته عن أحد الأسئلة.
يقول السائل:" من نعرف عنه أنه يقوم بحث الشباب على الجهاد وإعطائهم الأموال بدون إذن ولي الأمر، فهل مثل هذا يبلغ عنه الجهات المسؤولة؟ وما نصيحتكم لهذا وأمثاله؟
الجواب: نعم، أولا: ينصح فإن امتثل وامتنع عن هذا الشيء فالحمد لله، وإن لم يمتثل فإنه يبلغ عنه ولاة الأمور للأخذ على يديه لئلا يضر المسلمين ويضر أولاد المسلمين، هذا يخرج أولاد المسلمين للمعارك والهلاك بدون فائدة وهو جالس هنا. العجيب أن بعضهم يخطب ويتحمس ويحث أولاد المسلمين ويحمسهم وهو جالس في بيته يأكل ويشرب ولا يذهب ولا يعمل، مع أن هذا كله باطل، لكن هذا من التناقض العجيب الذي عندهم" انتهى كلامه (تذكير العباد بفتاوى أهل العلم في الجهاد جمع وإعداد محمد فهد الحصين).
"شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير يدرسان في كلية الشريعة جامعة الكويت!!"
من أساليب الترويج لفكر هؤلاء المتعالمين ما نسمعه بين الحين والآخر من الألقاب الزائفة لبعض المتعالمين المفتونين بالسياسة أما الأول فهو دكتور ثوري سياسي لا شرعي يروج أفكارا سيئة رديئة يطنطن حول المناصب والكراسي يتزعم حزبا وهميا أكبر ما فيه اسمه!! يقول بعض اتباعه بالحرف الواحد "هذا مثل شيخ الإسلام في عصره"!! وأما الدكتور الثاني فهو على جادة الأول مشكاتهم واحدة وشبهاتهم متطابقة ومن لسان حاله أنه يحب أن يحمد بما لم يفعل ويتشبع بما لم يعط يروج عنه اتباعه أنه يحفظ الكتب الستة وفي رواية التسعة وقال آخرون العشرة!! ويجزم بعض من عرفه عن قرب أنه لا يحفظ بل بضاعته مزجاة في الحفظ والفقه لكن العجيب في ذلك سماعه لطلابه وصفهم إياه بالحافظ وكأنه ابن كثير ولا ينكر عليهم.
فأقول: الله المستعان، لو كان في كلية الشريعة من جامعة الكويت مثل شيخ الإسلام والحافظ ابن كثير رحمهما الله لكانت الحال على غير حالنا اليوم.
"مقارنة بين فتوى عالم وفتوى متعالم"
أخي القارئ وفقك الله لكل خير اقرأ و تدبر كلام الشيخ العلامة المفتي عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في الجواب على السؤال التالي
السائل: "إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي، ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد أستأذنت والدتي فلم توافق، ولذا تأثرت كثيرا ولا أستطيع أن ابتعد عن الجهاد، سماحة الشيخ: إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله، وأن أقتل في سبيله وأمي لا توافق، دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب؟
الجواب: جهادك في أمك جهاد عظيم، الزم أمك وأحسن إليها، إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وإذا استنفرتم فانفروا" رواه البخاري، وما دام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك، وارحمها، واعلم أن برها من الجهاد العظيم، قدمَّه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قيل : " يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين " [متفق على صحته]، فقدَّمَ برهما على الجهاد. عن عبدالله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد " [متفق على صحته]. وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم "ارجع إليهما فاستئذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما" رواه أبو داود، فهذه الوالدة ارحمها وأحسن إليها حتى تسمح لك، وهذا كله في جهاد الطلب، إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير، وأما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا إذا أمرك ولي الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ * إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة: 38ـ 39] انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وتدبر نصيحته لذلك السائل لما قال له: "احسن إلى أمك وارحمها واعلم أن برها من الجهاد العظيم".
بينما يقول الحافظ المزعوم المتعالم: "استئذان الوالدين واجب وليس بشرط ومن جاهد بغير إذن والديه فجهاده صحيح لكن مع الإثم".
قلت: والإثم قد نهى الله عنه ورسوله والواجب أن يكون الجواب كما صرح العلماء أن يقول لا يجوز وجاهد ببر والديك وارحمهما كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وأما أن يقول لشاب متحمس اذهب وجاهد حتى لو لم يأذن والداك وجهادك صحيح لأن الاستئذان ليس بشرط لكنه واجب والواجب غاية ما فيه أنك تؤثم وجهادك صحيح، لا شك حينئذ سيذهب ثم يقول "المنظر" لم أقل له اذهب!!. فوالله الذي لا إله إلا هو إنَّ هذا غش للشباب وعذاب لأولياء أمورهم والواجب أن يتقي الله هؤلاء المنظرون ويبينوا للشباب كلام العلماء ويكفوا عن تقريراتهم الشخصية وتعليلاتهم الباردة فالشاب إذا سمع من يقول جهادك صحيح مع الإثم والشهيد يغفر له مع أول قطرة دم فسرعان ما يذهب وسيحمل إثم والديه وحسرتهما أولئك المنظرون.
"تحذير العلماء من المنظرين للجهاد المزعوم"
ما زال علماؤنا يحذرون من المنظرين للجهاد المزعوم ويردون عليهم وهم مشاهير تغني الإشارة إليهم عن صريح العبارة. ولما قلت لأحدهم هل تحذر من فلان الضال المضل المشهور بدعوته الشباب للذهاب للعراق.
فقال: عنده خطأ و صواب،
فقلت: كل الناس عندهم خطأ وصواب اسألك عن فكره ورأيه في القتال في العراق فأبى أن يجيب بإجابة صريحة
فقلت له: من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته لو لم تكن موافقا له لرددت عليه.
أقول أخي القارئ الكريم إن هذا المنظر قرر غير مرة في كلية الشريعة أمام جمع من الطلاب بأنه لا يضلل من ذهب للجهاد في العراق ولا من يأمر بذلك. فلما أنكرت عليه بنفسي في مكالمة هاتفية هو الذي بدأ الاتصال ارسل إليَّ رسالة يقول فيها: هذه المقولة تعارض القرآن والسنة والإجماع أما القرآن فالنصوص في اجتناب الظن وحفظ الأعراض لا تجهل وأما في السنة ففي صحيح مسلم من حديث عتبان في حديث طويل في كتاب المساجد برقم (1496) وفي الحديث: "فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي وجه الله". فهذا صحابي يود المنافقين كما في رواية أخرى ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم من التعرض له، وأما القاعدة الذهبية "من اخفى بدعته فنحن ننتظر الأدلة عليها من الكتاب والسنة" انتهت رسالته.
فأقول وبالله أستعين نعم، هذه القاعدة الذهبية وهي من قول إمام من أئمة السلف ألا وهو الأوزاعي رحمه الله تعالى كما ذلك ابن بطة في (الإبانة) عنه أنه قال: "من ستر علينا بدعته لم تخف علينا ألفته". وهذا كثير جدا في أقوال أئمة السلف وقد ذكروا جملة منها في مصنفاتهم فلا ادري كيف خفيت على هذا المنظر المتعالم الذي يزعم اتباعه أنه يحفظ الكتب الستة وفي رواية التسعة؟! بل استهزأ بقوله "القاعدة الذهبية" وزعم أنها تخالف الكتاب والسنة والإجماع. روى البخاري (6169) ومسلم (2640) عن ابن مسعود رضي الله عنه: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "المرء من أحب"، وأما حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه الذي رواه البخاري (425) ولم ينفرد به مسلم كما قد يظن ذلك المتعالم فلا يخالف القاعدة.
قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في القول المفيد (1/77) "فنهاهم أن يقولوا هكذا لأنهم لا يدرون عما في قلبه لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وهنا الرسول قال هكذا ولم يبرئ الرجل وإنما أتى بعبارة عامة، ونهى أن نطلق ألسنتنا في عباد الله الذين ظاهرهم الصلاح ولقول هذا فاسق وما أشبه ذلك لأننا لو أخذنا بما نظن فسدت الدنيا والآخرة فكثير من الناس نظن بهم سوءً ولكن لا يجوز أن نقول ذلك وظاهرهم الصلاح ولهذا قال العلماء: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة" أ هـ
وأقول: حديث عتبان لا يخالف ما قاله الأوزاعي رحمه الله تعالى فإذا وجدنا من أمثال هذا المتعالم يترك كلام أهل العلم ويخالفهم ويوافق أو على الأقل يهون من كلام أهل البدع والضلال ويجالسهم ويخالطهم ويقرر أقوالهم وإذا سأله الطلاب أحالهم إلى كتب أهل البدع كما فعل أكثر من مرة حيث يوصي بكتاب "البوطي" في الجهاد فهذه إن لم تكن أدلة فهي قرائن قوية تدل على أنه قد ارتضى هذه العقائد والمناهج المنحرفة، وفي الحديث "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". رواه أبوداود في سننه عن أبي هريرة كتاب الأدب باب من يؤمر ان يجالس (4833)ـ رواه الترمذي في سننه كتاب الزهد باب رقم (45) حديث (2378) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (937).
أخي القارئ لن يكون هذا المقال الأخير في الرد على هؤلاء الذين ضيعوا الشباب المسلم فترقب في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى إن كان في العمر بقية. والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.