خيركم من تعلم القرآن و علمه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه (5027) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". ففي هذا الحديث بيان فضل تعلم القرآن وما اشتمل عليه من الحكم والأحكام والمواعظ والعقائد وغير ذلك مما يناله المتعلم للقرآن عند تدبره، قال تعالى "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" ]محمد- 24]، وقال تعالى "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" [ص- 29]، فليس العبرة بمجرد قراءته وحفظه وتلاوته وإن كان في ذلك من الفضل ما فيه لكن لا بد من تلاوة القرآن الكريم حق تلاوته كما قال تعالى "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ"[البقرة- 121] أما من قرأه من غير إيمان به لا يمتثل أوامره ولا يجتنب زواجره فهذا سيكون القرآن حجة عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ".... والقرآن حجة لك أو عليك "[رواه مسلم- 223] من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
كيف كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتعلمون القرآن؟
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال:" إنا أخذنا القرآن عن قوم فأخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأُخر حتى يعملوا بما فيهن من العلم، قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعا، وإنه سَيَرِثُ هذا القرآن قوم بعدنا يشربونه كشربهم الماء لا يجاوز تراقيهم، قال: بل لا يجاوز ههنا ووضع يده تحت حنكه" ذكره ابن وضاح في البدع (275).
أخي القارئ الكريم قارن بين حال السلف مع القرآن وواقعنا اليوم لترى الفرق الشاسع بيننا وبينهم، فالناس اليوم لا همَّ لهم إلا الأصوات الجميلة والأكثر مبيعا ورواجا وقد يسمع بعضهم القرآن في المقاهي والمطاعم يطربون على صوت القارئ دون فهم شيء منه فمثلهم "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" [الجمعة- 5]، هكذا ذم الله تعالى اليهود الذين أُمروا بتعلم التوراة والعمل بها فجعلوها وراءهم ظهرياً لا يعملون بها ولا يتحاكمون إليها، وهذه الأمة تبعتهم بذلك شبراً بشبر وذراعاً بذراع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها!!
هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أكثر منافقي أمتي قراؤها" [رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني في الصحيحة- 750].
أخي القارئ الكريم وفقني الله وإياك إلى كل خير هذا حال القراء الذين لا يقيمون لكتاب الله وزناً فلا يؤمنون بما دل عليه في باب العقائد ولا يتحاكمون إليه عند النزاع بل يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً.
((كيف تقرأ القرآن كاملاً في ساعة واحدة؟ وهل تحلم أن تحفظه في خمسة عشر يوماً؟!))
لا يكاد ينقطع عجب القارئ إذا قرأ إعلانا فيه دعوة إلى الالتحاق بدورة يتمكن بعدها من قراءة القرآن كاملا في ساعة واحدة ويحفظه كاملا في خمسة عشر يوما. وقديما قيل "حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له". لكن لنقف على ما نقله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (13/331) حيث قال: " قال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلّ في أعيننا وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين وقيل ثماني سنين".
أخي القارئ هل تعرف لماذا؟ الجواب عند أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود أنهم قالوا: "كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً" [ذكره شيخ الإسلام في الفتاوى (4/70)].
هل أهل الأهواء من الخوارج وغيرهم يقرؤون القرآن؟
نعم الخوارج وأمثالهم من أهل الأهواء يقرؤون القرآن ولكن حالهم هو كما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي رواه البخاري (3344) ومسلم (1064) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ".... إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا- يعني رجلا من الخوارج- قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".
قصتي مع قارئ ومطرب في السابق
قبل أشهر من كتابتي لهذا المقال بالتحديد عام 1428هـ - 2007 التقيت أحد القراء- الذين لهم ختمة في إذاعة القرآن الكويتية- التقيته في المسجد الحرام جالسا على بعد أمتار من الكعبة بعد صلاة الفجر وبعد سلامي عليه ومقدمة من الكلام سألته: هل تقول إن الله تعالى في السماء؟ فقال وبكل جرأة وصراحة: لا، ثم جرى بيني وبينه نقاش حضره بعض الأخوة فشهدوا عليه وكفى بالله شهيدا!!
والعجيب في هذا الرجل أنه كان في السابق مطربا يعزف على آلات اللهو ويغني الغناء المحرم ثم تاب إلى الله تعالى والحمد لله واسأل الله ألا يرده إلى الطرب مرة أخرى غير أني أكاد أجزم أنه لما كان مطربا كان على فطرته يقول ويعتقد كما يعتقد سائر المسلمين أن الله تعالى في السماء لكنه بعدما ترك الطرب والغناء وقرأ القرآن وجوّده وسجل ختمة للقرآن كاملة أخذ يقول: "لا أقول إن الله في السماء" سبحان الله ماذ جرى لهذا القارئ ربما أيام الطرب والغناء لم يكن يحفظ سورة الملك فلما حفظها وجوّدها ورتلها ووقف على قوله تعالى "أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ"[الملك: 16- 17] فقد يقول في السماء جار ومجرور والسماء المد فيها متصل يُمدُّ من أربع حركات إلى ست لكن للأسف الشديد يقول لا أقول الله في السماء!!
فبالله عليك أخي القارئ العزيز ماذا استفاد هذا من القرآن؟ اسأل الله له الهداية وأن يتوب عليه توبة نصوحاً يرجع بعدها إلى الحق ويقول به كما تاب من الطرب والغناء.
قرأت القرآن ليقال عنك قارئ فقد قيل
قراءة القرآن وتعلمه وتعليمه عبادة كسائر العبادات الواجب فيها إخلاص النية لله تعالى فاحذر أخي القارئ كل الحذر أن تقرأ القرآن ليقال عنك قارئ أو ليقال ما أجمل قراءته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ....... ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار...." [رواه مسلم/ 4900] فوالله الذي لا إله إلا هو إن هذا الحديث ليدعو كل مسلم أن يراجع دينه قبل أن يتعلم العلم أو يقرأ القرآن.
رسالة إلى أخي الفاضل وائل العجيل حفظه الله تعالى
قبل أيام من كتابة هذا المقال توفي ابن أحد قراء الإبانة والمتابعين لها، إنه أخي وحبيبي وعزيزي وائل بن بدر العجيل العسكر فأقول: يا أبا عبد الله لقد تلقيت خبر وفاة ابنك الأكبر عبد الله رحمه الله تعالى واسكنه الجنة فما أملك لك سوى أن أقول إنا لله وإنا إليه راجعون لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى اصبر واحتسب فكم من مرة ذكرت لي رضاك عن ابنك عبد الله وأنه بارٌ بك و بوالدته فهنيئا له رضا والديه عنه لأن رضا الله في رضا الوالد، واعلم أن الدنيا ليست آخر مرحلة للناس فأسأل الله أن يجمعك به في جنات النعيم.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.