إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه (3062) ومسلم (111) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: "هذا من أهل النار" فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الذي قلت له إنه من أهل النار فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إلى النار" قال فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراحا شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله" ثم أمر بلالا فنادى بالناس إنه "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
أخي القارئ الكريم إن كثيرا من الناس حينما يسمع نقدا أو رداً على فئة أو حزب أو جماعة أو جمعية بادر وأنكر على من نقد أو ردَّ أو نصح قائلا: كيف تنتقد أو ترد على الجماعة الفلانية أو الشيخ الفلاني أو الدكتور فلان مع أن عندهم من الخير ما عندهم وقد نفع الله بهم أقواماً وهدى الله بهم ضلالا وتاب على أيديهم ناس كثيرون فإلى هؤلاء أقول: ما المانع من الرد على هؤلاء المخطئين ولو كان عندهم حسنات أو لهم تأثير في هداية الناس ؟ فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فضلا عن تأييده للدين بمن عندهم اخطاء وانحرافات قد لاتصل الى الفجور فلله في خلقه شؤون .
فهذا الرجل الذي قاتل مع المسلمين قتالاً شديداً قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو في النار!! لم يكن قتاله سبباً في دخوله النار وإنما جزعه وقتله لنفسه وهو ما يسمى بالانتحار هو سبب دخوله النار، ثم لم يشفع له قتاله من استحقاقه لدخول النار، لذا نستفيد من هذا الحديث فائدة كبيرة قلما يتفطن لها كثير من الناس أن حسنات الإنسان او الفئة أو الجماعة أو الجمعية لا تمنع من انتقاد ما عندهم من اخطاء وانحرافات وضلالات. ولا يخفى على كل مسلم ما للوالدين على أولادهما من فضل إذ هما سبب وجود الأبناء لكن لم يمنع ذلك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام من الإنكار على أبيه إذ عبد الأصنام من دون الله تعالى. وها هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم قد دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عظيما شديدا يعجز عن مثله كثير من المسلمين لكن لم يمنع ذلك من كونه مشركا وينتقد عليه عدم قبوله للإسلام. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة، قال:" لا خير فيها هي في النار"، وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان وتتصدق بالأنوار وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدا، قال:"هي في الجنة". [رواه أحمد في مسنده والحاكم وقال الألباني حديث صحيح في السلسلة الصحيحةـ190[.
أخي القارئ الكريم إذا استوعبت هذا فإنك ستدرك خطأ من يقول لماذا تنتقد فلانا من الدعاة مع أن عنده حسنات ونفع الله بخطبه ومحاضراته ودروسه وتاب إلى الله على يديه خلق كثير فأقول: لم أنتقد فلانا على ما عنده من حق ولكن أنكر ما عنده من باطل ولا منافاة فليس بالضرورة أن يكون كل ما عنده حق كما ليس بالضرورة أن يكون سالما من كل باطل، بل قد يؤيد الله تعالى هذا الدين بالرجل الفاجر. لذا كم من خدمة قدمها الكفار باختراعاتهم وصناعاتهم استفاد منها المسلمون حتى في نشر الإسلام والدعوة إليه.
والله أسأل أن يوفقني وكل مسلم إلى العلم النافع والعمل الصالح والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.