وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (١)
لا تغتر بكلام بعض الدعاة الذين يفتون للشباب المتحمسين ويشجعونهم على الذهاب إلى مواجهة ما لا طاقة لهم به
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن من أعظم الفتن التي ابتلي بها المسلمون اليوم القول على الله بلا علم وتعظم البلية والفتنة إذا تكلم المتكلم بغير علم واستدل بالأدلة على غير مراد الله ورسوله منها والأعظم من هذا كله إذا كان ذلك المذهب الرديء والقول الضال يترتب عليه فساد الدين والدنيا!!
ومن الأمثلة ـ والأمثلة كثيرة ـ تلك الفتنة التي انطلقت شرارتها حتى أحدثت ناراً عظيمة في المسلمين ألا وهي العمليات "الانتحارية" التي أطلق عليها بعض المفتونين زوراً وبهتاناً وضلالاً وإضلالاً العلميات "الاستشهادية".
نشأة العمليات الانتحارية
لا يُعرف للعمليات الانتحارية في تاريخ الإسلام أصل وإنما يرجع تاريخ نشأتها فيما أعلم إلى الحرب العالمية وأول من قام بها (اليابانيون) عندما صنعوا طائرات تحمل صواريخ متفجرة يسقط بها الطيار الانتحاري على العدو فيقتل نفسه ثم بعد عشرات السنين تطور الأمر حتى أصبح كل من أراد أن يحقق مراده قام وفجّر بنفسه.
قتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر
لقد حرم الله تعالى قتل النفس المعصومة وتحريم القتل دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة وأدلته أشهر وأكثر من أن تذكر وحسبنا قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساءـ 93]. وقال تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام ـ 151]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...إلخ" [رواه البخاري2766 ومسلم 89 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وهذه الأدلة وغيرها كثير جدا تدل على تحريم قتل الإنسان النفس المعصومة ومنها أن يقتل الإنسان نفسه.
ذكر بعض الأدلة في وعيد من قتل نفسه
ومع دخول قتل الإنسان نفسه في نصوص تحريم قتل النفس بغير حق إلا أن ثمة أدلة أخرى فيها الوعيد الشديد والنهي الأكيد عن أن يقتل الإنسان نفسه، منها قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29ـ 30] وفي الصحيحين]البخاري 5778 ومسلم 109[ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه، في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً". ومن تدبر هذه النصوص وغيرها ظهر له جليا تحريم قتل الإنسان نفسه وأن هذا الفعل عدوان وظلم متوعد صاحبه عليه بالخلود في جهنم والعياذ بالله.
يقاتلون في سبيل الله فيَقْتلون ويُقْتَلون
أخي القارئ الكريم وفقك الله لكل خير اعلم بأن الله تعالى وصف المجاهدين في سبيل الله بأنهم "يقاتلون" على وزن "يفاعلون" من المفاعلة أي يتبادلون القتال فهم لا يقتلون الأبرياء ولا المسالمين ولا العزل ولا الأطفال والنساء ولا الشيوخ والعجائز بل ولا البهائم وإنما يقاتلون المقاتلين، ووصف قتالهم بأنه "في سبيل الله" ليس حمية ولا للمغنم ولا ليرى أحدهم مكانه وإنما من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ثم وصفهم بأنهم "يَقتلون" أي الأعداء و "يُقْتَلُون" أي بأيدي الأعداء ولم يصفهم الله تعالى بأنهم يقتلون أنفسهم ولا أنهم ينتحرون فهذا ما لا أصل له في دين الله تعالى ولم يقل به أحد من أهل العلم بل قالوا بخلافه وشنعوا على الذين يقتلون أنفسهم أو يُجيزون ذلك لاتباعهم.
استعجال بعض الدعاة والوعاظ بالفتوى
أخي القارئ العزيز لا تغتر بكلام بعض الدعاة والوعاظ الحركيين الذين يفتون للشباب المتحمسين ويشجعونهم على الذهاب إلى مواجهة عدو لا طاقة لهم به فيقتلون أنفسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن العجب أن هؤلاء المنظرين لغيرهم لا يذهبون بأنفسهم ولا يرسلون أولادهم بل يضحكون على صغار السن وضعاف العقول ناسين أو غافلين أو جاهلين النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وفتاوى العلماء في تحريم قتل الإنسان نفسه!! ولقد سمعت لأحدهم يدعى محمد. ح في شريط مسجل له يقول: "كذاب من قال عمن نفذ العملية الاستشهادية أنه منتحر" أ هـ
وأقول: سبحان الله مع كلامه الباطل هذا فإنه لم يحترم العلماء الذين اشتهرت فتاواهم بتحريم هذه العمليات التي تفسد ولا تصلح، فكم من أرملة خلفوا وكم من ثكلى تبكي وكم من أب حزين على ابنه وكم من طفل تيتم ولا أدري متى يتقون الله هؤلاء في المسلمين وأبنائهم ويكفوا عن هذه الفتاوى الخاوية من الأدلة بل لا يستندون الا على شبهات باطلة أو فهم سيئ لبعض الأدلة. وأعدك أخي القارئ إذا كان في العمر بقية أن أكتب ردا على بعض الشبه لعل الله تعالى أن ينفع الكاتب والقارئ المخالف والموافق فتابع في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
الرجال قوامون على النساء
سألني أحد الأخوة الكرام هل يحق للمرأة أن تذهب إلى المقرات الانتخابية بغير إذن زوجها لتستمع إلى برنامج المرشحين؟
والجواب: لا شك أن الله تعالى جعل للرجل القوامة على زوجته وابنته وسائر نسائه ولا يحق للمرأة الخروج من دون إذنه فضلا عن خروجها بعد أن ينهاها عن الخروج بحجة أنها تريد أن تحضر المقرات الانتخابية كما تزعم، فالواجب على المرأة أن تتقي الله عز وجل ولا تكن خرّاجة ولاّجة من مكان إلى آخر ومن مقر إلى مقر بل يكفيها زوجها ووليها بما يختار لها. ولقد شهدت بنفسي عند شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لما سأله رجل عن زوجته يأمرها أن تستر وجهها وهي ترفض بحجة أن المسألة خلافية وبعض أهل العلم قال بجواز كشف المرأة لوجهها؟ فقال رحمه الله تعالى: "حتى لو المسألة خلافية فالمرأة يجب عليها أن تسمع كلام زوجها بما يأمرها به".
وبهذا يتبين لنا أن المرأة يجب عليها أن تسمع كلام زوجها إذا نهاها عن الذهاب إلى المقرات الانتخابية أو نهاها عن البحث بنفسها عمن تصوت له ولا تغتر بقول من يقول "الصوت أمانة" أو "المرأة آثمة إذا لم تصوت" ونحو ذلك من العبارات الرنانة التي يقصد منها تجميع اكبر قدر من الأصوات، فالإسلام حرم على المرأة أن تزوج نفسها بغير إذن وليها، لا شك أنها عرضة للفتنة وسرعان ما تنخدع بالدعاية والإعلان وأقول هذا للمرأة المسلمة التي تتقي الله وتلتمس مرضاته أما أولئك النساء اللاتي لا يقمن للشرع وزنا فلهن غير هذا المقال.
اسأل الله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فوائد قيّمة
الفائدة (21) قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا آمًنوا بالله ورسوله والكتاب) قال سعيد بن جبير رحمه الله:"فلو لم يكونوا مؤمنين لما قال لهم (يا أيها الذين آمنوا) (وإنما أراد بقوله دوموا على إيمانكم وازدادوا إيمانا بالله وطاعته واستكثروا من الأعمال الصالحة التي تزيد في إيمانكم وازدادوا يقينا وبصيرة ومعرفة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وقد يقول الناس بعضهم لبعض مثل ذلك في كل فعل يمتد ويحتمل الازدياد فيه كقولك للرجل يأكل: كل، تريد زد في أكلك، ولرجل يمشي: امش، تريد أسرع في مشيك ولرجل يصلي أو يقرأ: صل واقرأ، تريد زد في صلاتك، ولما كان الإيمان له بداية بغير نهاية، والأعمال الصالحة والأقوال الخالصة تزيد المؤمن إيمانا جاز أن يقول: يا أيها المؤمن آمن أي ازدد في إيمانك. (الإبانة لابن بطة).
الفائدة (22) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "ويجب عقوبة كل من انتسب إلى أهل البدع، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، او عظِمِ كتبهم، أو عُرِفَ بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم وأخذ يعتذر لهم، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليه والقيام عليهم من أوجب الواجبات". (مجموع الفتاوى 2/132)
الفائدة (23) قال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله: ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره. [التمهيد 21/287)
الفائدة (24) قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فلابد من هذه الثلاثة: العلم، الرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده". [الفتاوى 28/137]