العيد عبادة أم عادة؟
لا عيد إلا عيدي الفطر و الأضحى.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن العيد سُمي عيدا لأنه يعود ويرجع، ويطلق العيد على المكان والزمان الذي يعود إليه الناس كما في حديث ثابت الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة - وهو مكان - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال صلى الله عليه وسلم:"هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟" قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟"، قالوا: لا، فقال:"أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" [رواه أبو داود وإسناده على شرط الصحيحين صحيح أبى داود (3313)]. وحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قدمت المدينة ولأهل ا لمدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، وإن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر" [رواه أحمد وأبو داود (1134) والنسائي (1556)].
أخي القارئ الكريم، هذان حديثان صحيحان، وهما عمدة في بيان حكم الأعياد المحدثة، وهي كل عيد سوى عيدي الفطر والأضحى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل الرجل في الحديث الأول عن بوانة "هل كان فيها عيد من أعياد المشركين؟" ليتبين قبل أن يأذن له أن يفي بنذره أو لا يفي به، فلما أخبره بالنفي رخص له أن يفي بنذره، ودل قوله صلى الله عليه وسلم " لا وفاء لنذر في معصية الله"، على أن موافقة المشركين في أعيادهم معصية لله تبارك وتعالى. ويدل الحديث الثاني حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بترك ذكرى أيام الجاهلية وهي أيام انتصروا فيها على عدوهم فيلعبون فيها، وتأمل كلمة "يلعبون" ما كانوا يصلون أو يتعبدون بل كانوا يلعبون وهو يوم يقال له "يوم بعاث" فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذين اليومين، وأخبرهم أن الله تعالى قد أبدلهم بيومين خير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى.
أخي القارئ العزيز، إذا علمت هذا أدركت بُعْدَ الناس اليوم عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكم أحدثوا من الأعياد البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأكثرها إما تقليد لليهود والنصارى، وإما اتباع لأهل البدع والأهواء، وإما لا يعرف لها أصل، ثم لو تأملنا وتدبرنا لوجدنا معنى في أعياد الإسلام لا مثيل له في سائر الأعياد والمناسبات المحدثة، ألا وهو أن مناسبة العيد الشرعي مناسبة عظيمة جليلة ذات معنى كبير فبعد الصيام والقيام والاعتكاف وتلاوة القرآن وإحياء ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وبعد صلة الأرحام وإفطار الصائمين وزكاة الفطر وغيرها من القربات لله تعالى من المناسب أن يفرح المسلمون بطاعتهم لربهم فيأتي عيد الفطر عقب هذه العبادات الجليلة، وأما عيد الأضحى فهو اليوم العاشر من ذي الحجة، والعشر الأول التي أقسم بها الله في قوله (وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)) [الفجر]، وهي أعظم أيام العام، ومن جملتها اليوم التاسع يوم عرفة وهو خير يوم طلعت فيه الشمس، فالحجاج يقفون بعرفة ويباهي بهم الله تعالى الملائكة ويغفر لمن شاء منهم، وغير الحجاج يصومون عرفة يوما واحدا، يكفر ذنوب سنتين اثنتين، فبينما هم في طاعة الله عز وجل شرع لهم عيد الأضحى ليذكروا الله فيه ويذبحوا وينحروا أضاحيهم تقربا إلى الله وتعظيما لشعائره، فيحق لهم الفرح في عيدهم، أما سائر الأعياد فلا وجود لهذا المعنى العظيم فيها. هب أن فلانا ولد في مثل هذا اليوم هل من الضروري أن يكون كل يوم من أيام الدهر موافقا له في السرور والفرح؟ الجواب: لا، وإنما أصبح هذا حال الأمة لما ضعفت فقلدت غيرها وجهلت دينها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، بل أصبحت بعض المناسبات المحزنة المؤلمة يعقد لها ذكرى ويتذكرون فيها آلامهم وأحزانهم، لماذا؟ آلله أمر بهذا؟! أم رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعه لنا؟
أخي القارئ الكريم، وفقني الله وإياك إلى الحق والتمسك بالسنة، إذا علمت هذا الأصل العظيم فالزم ولا تتجاوز، فلا عيد إلا عيدي الفطر والأضحى، ولا يغرنك من يقول إنها مناسبات وعادات وليست عبادة حتى تقولوا إنها "بدعة"، فمثل هذا نقول ذكرى يوم "بعاث" الذي كانوا يلعبون فيهما لماذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبرهم بأن الله تعالى أبدلهم بخير منهما مع أنهم كانوا يلعبون ويمرحون ويفرحون؟!
أخي القارئ، تذكر حديث أنس رضي الله عنه جيدا لتدافع به عن السنة وتبطل البدعة، والله أسأل أن يوفق المسلمين حكاما ومحكومين إلى الحق، ويهديهم إلى صراطه المستقيم. والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.