الجامية حزب أم فرقة أم طائفة أم مذهب؟! (٢)
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فما زلنا مع تلك المناظرة التي عقدتها بين شيخ سني سلفي وبين شاب تائه قد تأثر بكلام سمعه من بعض الناس يلمزون السلفيين، أهل الحديث والأثر بـ (الجامية)، وعرفنا فيما سبق أن هذه التسمية التي لا حقيقة لها ما هي إلا لمز قصدوا به التشويش والتنفير وإنما هناك شيخ وعالم جليل اسمه محمد أمان بن علي جامي ـ رحمه الله تعالى ـ كان سلفياً وتكلم في أهل الأهواء والبدع والأحزاب فأطلقوا على كل سلفي لقب (جامي) وفي هذا المقال متابعة للحوار بين الشيخ والتائه. والله أسأل أن ينفعني بالحق وينفع به وأن يجعل عملي مقبولاً عنده جل وعلا فهو نعم المولى ونعم النصير.
التائه: السلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله وبارك فيك. كيف حالك اليوم؟
التائه: بخير والحمد لله ولقد جئتك اليوم لأُتَمِّمَ معك ما قد بدأت به من الكلام عن (الجامية).
الشيخ: ما زلت لم تستوعب ما ذكرته لك آنفاً لا حقيقة لطائفة بهذا الاسم أو اللقب.
التائه: استغفر الله، إنما قصدت الذين يطلقون عليهم مخالفوهم هذا اللقب، أما الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله فلقد استفدت من كلامك وعرفت أنه أهل للتقدير والاحترام.
الشيخ: الحمد لله، إذن ما عندك من جديد؟
التائه: راجعت بعض الذين يتكلمون بالشيخ محمد أمان رحمه الله وطرحوا علي بعض المسائل أحببت أن استوضح منك.
الشيخ: لعلك تقصد بعض الشُبه أليس كذلك؟
التائه: بلى.
الشيخ: هات ما عندك.
التائه: أخشى أن تعتبر ما سأطرحه عليك قلة أدب وجرأة؟
الشيخ: الأدب مطلوب وضروري، لا سيما لطالب علم.
التائه: لا شك في ذلك لكني أنقل ما يقال وليس صادراً مني.
الشيخ: تفضل يا بني.
التائه: متى بدأ ظهور هذا اللقب (الجامية)؟
الشيخ: عندما اعتدى صدام حسين على الكويت عام 1410هـ ـ 1990م.
التائه: ما علاقة (الجامية) باعتداء صدام على الكويت؟
الشيخ: لما اعتدى صدام على الكويت وحشد بجيشه على حدود المملكة العربية السعودية أفتى العلماء وعلى رأسهم الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بجواز الاستعانة بالكفار لدفع الصائل المعتدي ولحماية الدين والدولة من شره.
التائه: هذا معروف ومعلوم لدى كل الناس.
الشيخ: لكن هل تعلم أن كثيراً من الأحزاب بل لا أكاد استثني منهم أحداً عارض العلماء واتهمهم بالباطل ورفض هذه الفتوى؟
التائه: الحمد لله الذي ثبت الولاة والعلماء وهداهم إلى ما فيه خير العباد والبلاد وإلا صار الحال على غير ما نحن فيه اليوم، لكن أحسن الله إليك ما علاقة هذا بظهور (الجامية)؟
الشيخ: لأن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى كان من أبرز العلماء الذين تصدوا بالرد على الأحزاب والجماعات التي رفضت هذه الفتوى واعترضت عليها.
التائه: لماذا لم يردوا عليه رداً علمياً بدلاً من اللمز بالألقاب؟
الشيخ: هذا أسلوب الضعيف إذا عجز عن الرد العلمي لجأ إلى السب والشتم والاتهام والصراخ بل ربما لجأ إلى الاعتداء والضرب بل القتل!
التائه: سبحان الله.
الشيخ: والشواهد كثيرة فليس الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله أول من يؤذى في سبيل الله بل هذه سنة الله في خلقه.
التائه: لكن إلى درجة القتل؟!!
الشيخ: وما مقتل الشيخ جميل الرحمن السلفي الأفغاني عنك ببعيد فلقد اتصل على الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قبل مقتله بنحو ليلة أو أكثر بقليل وقال إنهم ـ أي الأحزاب ـ يحرضون الناس علينا ويقولون هؤلاء يقولون (الله في السماء)!! وهذه مكالمة مشهورة مسجلة. وبعدها قتل الشيخ جميل الرحمن رحمه الله تعالى.
التائه: رحمه الله تعالى ما كنت أظن أن الأمر يبلغ هذا الحد من العداوة.
الشيخ: والآن عرفت علاقة لمزهم للسلفيين بـ (الجامية) متى نشأ؟ ولماذا؟
التائه: نعم، ولكن بما أن العلماء والمشايخ اتفقوا بالفتوى نفسها التي قال بها الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى فلماذا بالذات اختاروه ولمزوا كل السلفيين بـ (الجامية)؟
الشيخ: هذا سؤال وجيه ويدل على ذكائك وحرصك عل معرفة الحق.
التائه: الحمد لله أرجو أن اكون كما تقول.
الشيخ: لو لمزوا السلفيين بـ (البازية) نسبة إلى الشيخ ابن باز أو (العثيمينية) نسبة إلى الشيخ ابن عثيمين، ماذا تتوقع؟
التائه: لصارت تلك تزكية لهم.
الشيخ: أما قلتُ لك يعجبني ذكاؤك؟
التائه: فهمت جيداً إذن لمزوهم بـ (الجامية) لأن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله أقل شهرة من الشيخين مثلا وربما لأنه من أصل حبشي.
الشيخ: بالضبط، وهناك سبب آخر أيضا.
التائه: ما هو؟ زدني زادك الله من فضله.
الشيخ: الشيخ محمد أمان رحمه الله كان شديداً جداً على أهل البدع مشهورا بذلك ومتخصصاً في الردود والدفاع عن السنة وفي المدينة النبوية حيث يقيم هناك الخليط من أصحاب العقائد الكلامية كالأشاعرة وغيرهم أكثر من وجودهم في الرياض، فكان يتصدى لهم ويدرس في المسجد النبوي ويناظرهم ويرد عليهم فكثر أعداؤه وخصومه وتحمل الشيء الكثير منهم فوجدوا فرصتهم بلمز كل من كان على السلفية بـ (الجامية) حتى قالوا عن الشيخ الفوزان أنه (جامي)!!
التائه: والله ما تقوله حق، فلقد سمعت بعض الأشرطة للشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى بعد انصرافي منك قبل أيام فوجدت فيها عجباً، قوة علمية، ترتيباً للكلام، تمكناً بالعبارة، لا يتساهل مع المخالفين بالعقيدة أبداً.
الشيخ: كان الشيخ المحدث حماد الأنصاري رحمه الله تعالى هو أحد مشايخه يلقب تلميذه الشيخ محمد أمان بـ (الأستاذ).
التائه: ما شاء الله حقاً أنه أستاذ فعلاً من سمع شرحه أدرك استحقاقه لهذا اللقب (الأستاذ) شيء جميل، لكن عندي سؤال، أرجو إفادتي بالإجابة عنه.
الشيخ: تفضل.
التائه: لماذا يا فضيلة الشيخ اعتبرت اللقب بـ (الجامية) لمزاً محرماً بينما لا تعتبر إطلاق (السرورية) و (القطبية) ونحوهما لمزاً محرماً؟
الشيخ: لقد سئل الشيخ الدكتور العلامة صالح بن فوزان آل فوزان حفظه الله تعالى عن (الجامية) فقال: لا يوجد شيء يقال له (الجامية) لكن في شيخ اسمه محمد أمان الجامي، والله ما علمت عنه إلا خيراً ثم أثنى عليه ثناء طيباً.
التائه: ما شاء الله الشيخ الفوزان يثني عليه خيراً!
الشيخ: الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى أحد مشايخ الشيخ صالح الفوزان.
التائه: الله اكبر هذا شىء عظيم . ولكن ما زال الإشكال عندي لماذا (الجامية) لمز محرم و (السرورية) و (القطبية) ليست لمزاً محرماً؟
الشيخ: لقد أجبتك ولزيادة التوضيح أقول: إذا كان الشيخ ليس عنده بدعة ولا فكر منحرف فلماذا يطلق على طلابه وتلاميذه (جامية)؟ هذا لمز محرم أما إذا كان عنده بدعة أو فكر أو عقيدة فلا بأس بإطلاق النسبة إليه وإلى من قال بقوله أو اعتقد عقيدته أو تبنى منهجه وهذا ما جرى عليه العلماء قديماً وحديثا فما زالوا يقولون (الجهمية، المعتزلة، الأشاعرة، ونحوها) أما الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى فليس عنده بدعة ولا فكر ولا منهج منحرف فلماذا يطلقون عليه وعلى طلابه (الجامية)؟ ما أرادوا من وراء ذلك إلا التنفير والطعن.
التائه: الظاهر هذا كقولهم عن أهل التوحيد (الوهابية(.
الشيخ: هذا ما قاله الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى لكن تدري لماذا لم يلقبوهم في هذه المرة بـ (الوهابية) ولقبوهم بـ (الجامية)؟
التائه: لماذا؟
الشيخ: لأن لقب الوهابية لا يمكن أن يستعمل للتنفير في بلاد قامت على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فاستبدلوا لقباً آخر للتنفير من العقيدة السلفية فقالوا (جامية)!!
التائه: أحد طلاب كلية الشريعة قال إن الجامية، يقصد (السلفيين) لا يرون الجهاد في سبيل الله تعالى.
الشيخ: في هذا إجمال ويحتاج إلى تفصيل والآن ضاق الوقت ولعل في مجلس آخر أفصل لك القول إن شاء الله تعالى.
التائه: حسناً حسناً متى أزورك إن شاء الله؟
الشيخ: يوم الإثنين القادم إن شاء الله تعالى لنا لقاء مع صفحة الإبانة من جريدة الوطن!!