موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

اكتمْ حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك

11 رجب 1429 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الله تعالى أمر عباده بإخلاص الدين له وحده كما في قوله تعالى (وَمَا أُمرُوا إلَّا ليَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء) [البينةـ 5[، وقال تعالى (أَلَا للَّه الدّينُ الْخَالصُ) [الزمرـ 3] هذا المنطوق والمفهوم منه أن ما لم يكن خالصاً فلن يكون لله، والله تعالى غني عنه، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُهُ وشرْكَهُ)" [رواه مسلم ـ (2985)]. قال النووي رحمه الله تعالى في شرح الحديث:"هكذا وقع في بعض الأصول "وشركه" وفي بعضها "وشريكه" وفي بعضها "وشركته" ومعناه أنا غني عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئاً لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به" أ هـ

وروى مسلم أيضا (2986) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَمَّعَ سَمَّعَ الله به . ومن راءى راءى الله به "قال النووي رحمه الله تعالى: قال العلماء معناه من رايا بعمله وسمعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره سمع الله به يوم القيامة الناس وفضحه، وقيل معناه من سمع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل أسمعه المكروه وقيل أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه، وقيل معناه من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك حظه منه".

أخي القارئ الكريم إذا تذكرت هذا فتأمل حالنا اليوم جميعاً بلا استثناء واحتياطاً فلنقل: إلا من رحم الله وقليل ما هُمْ!!

أقول: قد ابتلينا بحب الكلام عن أفعالنا وإنجازاتنا وآثارنا، فلا نكاد نفعل خيراً إلا وأشهرنا ذلك وأخبرنا به القاصي والداني بنيْنا حفرنا عمَّرنا طبعنا طالبنا نشرنا دعونا اهتدى على ايدينا كذا وكذا، فعلنا كذا وكذا، ما اكتفينا أن الله تعالى يعلم ذلك ويقبل ويجازي ويكافئ ويشكر عبده على القليل ويزيده الكثير كلا بل همنا الأكبر أن يعلم الجن والإنس ماذا فعلنا وماذا أنجزنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإخلاص عزيز

أخي المسلم.. أختي المسلمة

لا تحسبن الإخلاص سهل المنال، بل هو عسير ويسير على من يسّره الله عليه ووفقه إليه، فالأعمال كثيرة والإخلاص قليل يحتاج المسلم إلى مجاهدة شديدة ورياضة كبيرة حتى يحقق الإخلاص لله تعالى!! قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي إنها تقلب علي" [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع]. وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: قال أبو حازم (سلمة بن دينار): "اكتمْ حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك" [سير أعلام النبلاءـ 6/100[.

"المخلصون في ظل عرش الرحمن"

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق (بصدقة) أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" [رواه البخاري (660) ومسلم (1031)]. الله أكبر هكذا يكون الإخلاص، تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه لأن همه الأكبر أن يقبل الله تعالى منه لا أن يعلم الناس به.

"المرائي تسعر به النار قبل عبّاد الأوثان"

ذكر بعض أهل العلم منهم ابن القيم رحمه الله تعالى أن المرائي يدخل النار ويجر إليها على وجهه قبل عبّاد الأوثان استدلالاً بحديث عجيب مهيب رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار حديث (1905)، عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له نَاتلُ أهل الشام (الشامي) ، ايها الشيخ حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمتُه وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ ولكنك تعلمتَ العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جوادي فقد قيل ثم أمر به فسُحب على وجهه ثم أُلقي في النار".

قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) [البينةـ 5[، وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله مخلصاً. أ هـ

قلت: ألسنا بحاجة إلى وقفة مع أنفسنا ليحاسب كل منّا نفسه إن كان مخلصاً في عمله لله تعالى أم أن للنفس نصيباً من أعمالنا؟!

هذا والله أسأل أن يرزقني وإياك أخي المسلم وأختي المسلمة الإخلاص في القول والعمل. والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات