موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

الرد الوافي ...

12 جمادى الآخرة 1429 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلقد كتبت مقالات سابقة في مناقشة »فكر التكفير والجهاد المزعوم« ثم تلقيت رسائل ليست بالقليلة يشكرون ويثنون على ما قد كتبته في الرد على المنظرين لهذا الفكر الخطير، الذي زلت به أقدام وتاهت فيه أفهام، وخلَّف بعده ايتاماً، وسفك فيه دم الأبرياء وبقيت حسرات الأمهات والآباء، فوجدت نفسي مضطرا أن أستمر في الكتابة في هذا الباب بيانا للحق ونصيحة للخلق فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل وإليه أنيب.

أخي القارئ الكريم أرشدك الله تعالى للحق اعلم أن بعض المنظرين حاول أن يخدع الشباب المتحمس وذلك عندما كتب مذكرة وقرينه المنظر الآخر خطب خطبة قرر كل منهما أن استئذان ولي الأمر ليس شرطا للجهاد في سبيل الله وتقريرهما هذا لا أعلم هل قصدا به تضليل الشباب المتحمس أم جهلا منهما بالضوابط الشرعية في مسألة استئذان ولي الأمر ام لاحتمال آخر لا أعلمه الله أعلم بقصدهما؟! على كل حال ثمة مسائل لا بد من تحريرها في هذا الباب فأقول:

سبق أخي القارئ العزيز أن ذكرت لك في مقالات سابقة الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في وجوب استئذان ولي الأمر، وفي كلام بعض العلماء ما يشعر بالشرطية كقول البعض لابد من إذن ولي الأمر ومن جاهد بغير إذن الإمام فهو عاص وغير ذلك مما يغني عن إعادته في هذا المقام والسؤال الذي نطرحه على المنظرين ونريد منهما جوابا »شافيا« ما حكم الذهاب إلى الجهاد إذا نهى عنه ولي الأمر؟!

نعم هذا الذي نريد الجواب عنه لأن عندنا عدة أحوال يختلف فيها الحكم وإليك أخي القارئ بيانها:

  • الحالة الأولى: أن يأمر ولي الأمر رعيته بالجهاد ففي هذه الحالة تجب طاعته لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [التوبة: 39ـ38] ولما رواه البخاري (2783) ومسلم (1353) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »وإذا استنفرتم فانفروا«.

  • الحالة الثانية: إذا حصر العدو بلدة، ودهم أهلها وجب عليهم جهاده ودفاعه من غير استئذان ولي الأمر وهذا ما يسمى بجهاد الدفع.

  • الحالة الثالثة: إذا تعذر استئذان ولي الأمر إما لبعده أو لعدم القدرة على الاتصال به وخشي المسلمون فوات العدو جاز لهم الجهاد من غير استئذان ولي الأمر ويمكن أن يقال إن ولي الأمر في هذه الحالة لم يأمر ولم ينه.

  • الحالة الرابعة: إذا نهاك ولي الأمر عن الجهاد لمصلحة يراها فلا يجوز الجهاد لما في ذلك من الخروج عن طاعته والافتئات عليه ولما في ذلك من الفوضى والفساد.

أقول: وهذه الحالة الرابعة التي نسأل المنظرين عنها، إذ واقعنا اليوم ينطبق تماما على هذه الحالة فولي الأمر ينهى عن الذهاب للعراق ونحوها بل يعاقب من يحث الشباب على الذهاب فلا يصح أن نطيل الكلام ونقرر في حالة غير الحالة التي نعيشها ونبحث عن حكم لها. كأن نقول جهاد الدفع لا يشترط استئذان ولي الأمر والسؤال عن شيء آخر لا عن جهاد الدفع.

إهمال منظري الجهاد لأهم شروطه

اعلم أخي القارئ وفقك الله للحق والتمسك به أن دعاة الجهاد المزعوم اهملوا شرطا مهما من شروط الجهاد ألا وهو القدرة والاستطاعة فتراهم يقحمون الشباب بحروب خاسرة مدمرة لا تزيد المسلمين إلا خسارا وضعفا وذلك إذا واجهوا عدوا لا قًبَل لهم به يفوقهم بالعدد والعتاد والترتيب والتنظيم. وهذا الشرط أعني شرط القدرة والاستطاعة مع وضوحه وكثرة أدلته وتقرير العلماء له لا يلتفتون له، مع أن المقرر شرعا ان كل واجب لا بد له فيه من شرط القدرة قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة: 286]، وقال تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78] قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى: »حتى الجهاد لو أمرتم بالجهاد ما فيه حرج إن قدرتم عليه فهو سهل وإن لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع« (نقلته من رسالة تذكير العباد بفتاوى أهل العلم في الجهاد ص 21 لمحمد الحصين).

كذلك عرف هذا الشرط من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى التوحيد ولم يقاتل المشركين ولم يؤمر بذلك حتى أن أصحابه يعذبون ومنهم من قُتل ولم يقاتل حتى جهاد ((دفع)) ما جاهدهم لماذا؟ لعدم القدرة والاستطاعة على قتالهم، فإن قال قائل أما سبق أن قررنا أن جهاد الدفع واجب فأقول: بلى ولكن كل واجب في الشرع مقيد بالاستطاعة فالقيام ركن من أركان الصلاة يسقط لمن لايستطيع القيام والطهارة شرط لصحة الصلاة تسقط في حق من لم يستطع التطهر، والحج ركن من أركان الإسلام لكن لمن استطاع إليه سبيلا، والصيام ركن من اركان الإسلام يسقط عن المريض مرضا لا يرجى برؤه وعن الكبير الذي لا يطيق الصوم وهكذا سائر الواجبات ومنها الجهاد ولو كان جهاد دفع إذا كنت لا تستطيع الجهاد سقط عنك.

قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: »فإن قال لنا قائل الآن: لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا لماذا؟ لعدم القدرة، الاسلحة التي ذهب عصرها عندهم هي التي بأيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئا فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء؟ ولهذا أقول: إنه من الحمق أن يقول قائل إنه يجب علينا الآن أن نقاتل أمريكا وفرنسا وإنجلترا وروسيا كيف نقاتل؟ هذا تأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمرنا الله به عز وجل (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) [الأنفال: 60].... إلخ« انتهى.

وقال أيضا لما سئل رحمه الله عن شرط من شروط الجهاد وهو القوة، قال: لا بد من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون به القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة، لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أمروا بالقتال وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات لأن جميع الواجبات يشترط لها القدرة لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن: 16] وقوله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ]البقرة: 286]، انتهى. [الشرح الممتع 9/8].

فإن قال قائل: لكن الله يقول في كتابه (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) [البقرة: 249]، فأقول الجواب على هذا في المقال القادم إن شاء الله تعالى إن كان في العمر بقية والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات