آخر زيارة لي لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (١)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد منَّ الله تعالى عليّ أن تعرفت على شيخنا محمد بن صالح العثيمين في عام 1403 هـ الموافق 1983م وذلك في فترة دراستي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم وكتب الله لي من فضله العظيم أن درست على شيخنا رحمه الله تعالى في «عنيزة» في الجامع الكبير القديم لما كان «طيناً» وقبل تجديد بنائه ولما هُدم المسجد صلينا ودرسنا في المسجد المؤقت سنتين حتى تم بناء الجامع الجديد على نفقة الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ثم رجعنا للدراسة فيه ولقد أكرمني الله تعالى من كرمه أني توجهت للدراسة عند الشيخ وكان الطلاب يومئذ لا يبلغون خمسين طالبا وفي نهاية الأسبوع يقل العدد أحيانا إلى اثني عشر طالبا فقط وكان الشيخ رحمه الله تعالى يعرفنا بأسمائنا فردا فردا، وكان مواظبا على التدريس يستمتع به ويمتع طلابه لا يتخلف عن الدرس إلا أن يكون مسافراً وكان سفره قليلاً وكان يدرس علوما شتى من توحيد وعقيدة وفقه وتفسير وحديث ونحو وفرائض وغير ذلك.
ولقد كتب الله لي من إحسانه عليّ أن حضرت للشيخ ما بين درس ومحاضرة وخطبة ومجلس ودعوة طعام ما لا يقل عن (1300 مجلس) وهذا من فضل الله وحده وبعد ثلاث سنوات من ملازمتي للشيخ رحمه الله تعالى قدم على الشيخ طلاب كثيرون من كل مكان من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، فَوَفدَ إليه طلاب من مناطق شتى فمن القصيم جاء طلاب من بريدة والرس والبدائع والمذنب وغيرها كما قدم إليه طلاب من المدن الكبرى من الرياض ومكة والمدينة وحائل والمنطقة الشرقية وغيرها وقدم إليه طلاب من اليمن والبحرين والكويت ومصر والسودان وآخرون لا أعلمهم الله اعلم بهم حتى بلغ الحضور عند الشيخ أكثر من (400) طالب. وكان للشيخ رحمه الله تعالى درسه المشهور في المسجد الحرام في رمضان وقدر عدد الحضور بـ (3000) من الرجال والنساء، وكان يفد إليه الضيوف بأعداد كبيرة أفرادا وجماعات حتى فتح مجلساً لهم كل يوم خميس ضحى، الذي سُمي بعد ذلك بلقاء الباب المفتوح وقد تجاوز (200) مجلس.
وأما أشرطة الشيخ وشروحه وفتاواه وبرامجه الإذاعية فوالله الذي لا إله إلا هو هذا ما لا يحصيه إلا الله تعالى والمقصود أن الله تعالى نفع بالشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى نفعا عظيما بطريقته العلمية من غير جماعة ولا حزب ولا تدخل في السياسة بل صنع ما عجز عنه كثير من الأحزاب والجماعات والجمعيات وأصحاب الشعارات. كل هذا وذاك ليلقن للناس عامة ولطلبة العلم والدعاة خاصة دروسا عظيمة في الصبر والمواظبة ناهيك عما يتعلمه طلابه من أخلاقه وعبادته ونصيحته للعامة والخاصة فرحمه الله تعالى وجزاه عنا خيراً.
قبل وفاة الشيخ بسنتين رحمه الله تعالى
بحمد الله تعالى وتوفيقه وإحسانه كانت لي علاقة مميزة مع الشيخ ومتواصلة استمرت ما يقارب ثمانية عشر عاما، فبعد رجوعي إلى الكويت وتخرجي من الجامعة عام 1407هـ الموافق 1987م لم تنقطع الزيارات والاتصالات والمراسلات ورجعت إليه في عام 1410هـ الموافق 1990م أي أيام اعتداء العراق على الكويت فلما رآني رحب بي أحسن ترحيب وتعاطف معي جدا وسألني عن الكويت وأهلها ودعا الله أن يحفظ والدي وأهلي وأن يحفظ أهل الكويت من تلك الفتنة العظيمة، ثم دعاني إلى الغداء في بيته دعوة خاصة، فاستجبت لدعوته رحمه الله تعالى وصحبت معي أخي الفاضل الشيخ عثمان بن محمد الخميس واستأذنته فأذن له وكانت جلسة اعتبرها في حياتي جلسة مميزة كلما تذكرتها حمدت الله تعالى كثيرا.
وبعد سنوات استمر الشيخ في التدريس وكان له دورات علمية في الصيف وكنت أكتب لبعض الطلبة توصيات خاصة يحملونها معهم إلى الشيخ رحمه الله تعالى ليقبلهم في سكن الطلاب في فترة الدراسة الصيفية وكان ممن أرسلته إلى الشيخ الأخ الطالب محمد خليل وهو طالب من نيجيريا كان يدرس في الكويت وهو أخ لطيف ذو ابتسامة ودعابة استلطفه الشيخ وكان يمازحه أحيانا، ولقد بلغني أن الشيخ سأله ذات يوم في الدرس فقال: يا محمد خليل هل درست في الكويت على مشايخ؟ فقال محمد خليل: نعم درست على الشيخ سالم بن سعد الطويل، فقال الشيخ: إذن أنت حفيدي!! فردّ محمد خليل مازحاً: يا شيخ هل تزوجت نيجيرية؟! فضحك الشيخ رحمه الله تعالى.
فلما بلّغني محمد خليل بذلك فرحت فرحا كبيرا إذ اعتبرني ابناً له فوالله الذي لا إله إلا هو لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى أكثر من والد، نعم أكثر من والد فإذا كان الوالد يعلم ابنه كيف يأكل ويشرب ويستنجي ويتكلم فإن الشيخ رحمه الله يعلم طلابه التوحيد والعبادة والأخلاق والسلوك والآداب والبر والصلة حتى قال بعض أهل العلم إن فضل الشيخ على الطالب أكبر من فضل الأب على ابنه!!
أخي القارئ الكريم أما بالنسبة لما دار بيني وبين شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في آخر زيارة لي إليه فهذا ما ستعرفه في المقال المقبل إن شاء الله تعالى على صفحة «الإبانة» من جريدة «الوطن» يوم الاثنين المقبل إن كان في العمر بقية والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.