الكافر المرتد لا ينفعه نطقه بالشهادتين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد ذكرت لك أخي القارئ في المقال السابق أن حزب البعث حزب إلحادي اشتراكي قام على مبادئ كافرة وان الرئيس العراقي الهالك الطاغية صدام حسين قد صدرت فيه فتوى بتكفيره وذكرت لك نص الفتوى عن الشيخ العلامة المفتي عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، ونص على أنه ـ أي صدام ـ كافر ولو شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ما لم يتب إلى الله تعالى ويتبرأ من حزب البعث.
ومع وضوح هذه الفتوى من هذا العالم الجليل الإمام الرباني إلا أن بعض الفضلاء وكثير من العامة التبس عليهم الأمر فظنوا أن "صداما" لما قال "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" قبل أن يقتل شنقا قد دخل الإسلام فيرجى له الجنة ويستحق الرحمة ومنهم من قال نتوقف فيه ومنهم من قال لا فائدة لنا في الحكم عليه، وغلط آخرون فاعتبروه شهيدا وبطلا وحكموا له بالجنة فلما رأيت خطورة هذا الموقف من ذلك الطاغوت أحببت أن أبين كلام أهل العلم فيه وفي أمثاله ولست أول من يطرق هذا البحث بل إني متطفل على غيري في تحقيق هذه المسألة ومجتهد قدر الاستطاعة بالتفنن بالعبارة مع شيء من الإضافة لعل الله تعالى ينفعني والقراء بالحق ويهدينا إلى التمسك به. فأقول وبالله أستعين وإليه ألجأ وعليه أتوكل .
الإشكال الأول: أنه شهد أن لا إله إلا الله
الشبهة الأولى أن «صدام» شهد أن لا إله إلا الله ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قتل رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله وإليك نص الحديث: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبَّحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكفَّ الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!" قلت: كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. [رواه البخاري (4269) ومسلم (96) أراد أسامة رضي الله عنه أنه لو قتله قبل إسلامه ثم اسلم فالإسلام يهدم أو يجبُّ ما كان قبله.
ومثله حديث المقداد بن عمرو رضي الله عنه وفيه أنه قال يا رسول الله إنْ لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة وقال أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقتله" فقال يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها أأقتله؟ قال: "لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" [رواه البخاري (4019) ومسلم (95)[.
والجواب على هذا أن حديث أسامة بن زيد ومثله حديث المقداد بن عمرو رضي الله عنهم لا علاقة له بالكافر المرتد وإنما هذا في حق المشرك الذي لم يكن يتلفظ بلا إله إلا الله في حال كفره فهذا إذا قالها نكف عنه حتى نتبين هل قالها رغبة في الإسلام وبراءة من الشرك أو خوفا من القتل، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) [النساءـ 94)، أما الكافر المرتد الذي اعتاد أن يكرر كلمة لا إله إلا الله وأتى ناقضا أو أكثر من نواقض الإسلام فلا يحكم بإسلامه، والعجب في الأمر ان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى لما أفتى بكفر صدام نص على ذلك وما كان أحد ممن يُعْتدُّ به يجادل في كفره فلماذا لما مات احتجوا بأنه يقول "لا إله إلا الله"؟!
أخي القارئ تدبر الموقف الخالد لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أعلمُ وأفقهُ أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه (أي لأبي بكر رضي الله عنه): كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله"؟، فقال (أي أبو بكر رضي الله عنه): والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها!! قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق [رواه البخاري (1399) ومسلم (20[(
وتدبر قول الراوي وكفر من كفر من العرب، فقد كفروا مع قولهم لا إله إلا الله وذلك لإنكارهم الزكاة، فكيف بمن اعتقد مبادئ حزب البعث الإلحادية الاشتراكية التي بينت لك بعضا منها في مقالي السابق؟ وعلى هذا الحديث يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/292) في كتاب استتابة المرتدين على قول عمر رضي الله عنه "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" قال: وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما؟ الراجح: "لا"، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقول "إلا بحق الإسلام" قال البغوي: الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر بالواحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام، وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فإن كان كفر بجحود واجب واستباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده" أ. هـ
أخي القارئ الكريم استمر في القراءة ولا تكسل فإنه بحث مهم فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قتال التتار الذين فعلوا ما اشتهر من قتل المسلمين وسبي ذراريهم وهتكوا حرمات الدين، وادعوا مع ذلك التمسك بالشهادتين فهل يجوز قتالهم أو يجب؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابةـ رضي الله عنهم ـ مانعي الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد مناظرة عمر لأبي بكر ـ رضي الله عنهماـ فاتفق الصحابة - رضي الله عنهم ـ على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة" أ. هـ من مجموع الفتاوى (28/ 502)
قلت: هذا حكم من لم يلتزم شريعة من شرائع الإسلام فكيف يكون حكم حزب البعث الذي طمس الإسلام كله إلا قليلا فما تنفعهم لا إله إلا الله وهذا حالهم.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: "وأهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك، وإن كان ممن يقر بالشهادتين ويأتي ببعض الأركان، وإنما يكف عن الكافر الأصلي إذا أتى بهما ولم يتبين منه خلافهما ومناقضتهما" أ. هـ من الدرر السنية (17/345). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى تعليقا على قوله "أن يشهد أن لا إله إلا الله" قال: وهذا في حق الشخص الذي من قبل في كفره لا يقولها، فإذا كان في حال كفره لا يقر بهذه الكلمة صار بها مسلما وحكم بإسلامه اما الشخص الذي يقولها وهو مرتد وكذلك اليهودي فإنهما لا يزالان في حالتهما الأولى" أ.هـ
قلت: والأول مثل اليهودي الذي دخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على فراشه ونطق بالشهادتين قبل أن يموت ومثل حال أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه شهادة أن لا إله إلا الله فستنفعه ويشهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نطق بها. وأما الثاني فهو كالمرتدين الذين أنكروا الزكاة ومنعوها وقاتلهم الصحابة مع إقرارهم بلا إله إلا الله. وصدام وأمثاله من الصنف الثاني المرتدين لا من الصنف الأول فتنبه لهذا فإنه دقيق.
لقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى "من نطق بالشهادتين مصدقا بما دلتا عليه وعمل بمقتضاها فهو مسلم مؤمن ومن أتى بما يناقضهما من الأقوال أو الأعمال الشركية فهو كافر، وإن نطق بهما وصلى وصام، مثل أن يستغيث بالأموات أو يذبح لهم توقيرا وتعظيما ولا يجوز الأكل من ذبيحته.. إلخ" أ. هـ
أخي القارئ الكريم فإن قال قائل لكن صدام حسين كان آخر كلامه "لا إله إلا الله" والنبي صلى الله عليه يقول من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما يحتمل أنه تاب ثم ما الفائدة من الحكم عليه بالكفر؟
فأقول لم ننته بعد فتابعوا الإبانة من جريدة "الوطن" كل اثنين فإن كان في العمر بقية فسأكتب ردا على ما بقي في نفسك إن شاء الله تعالى والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.